إنَّ الحبَّ الّذي يُوزَّع بالكلمات ،والّتي تصيغه العبارات من شأنِه أن يُفرح القلب لكن لن يجعل الفمَ يقتات…
في اليوم العالمي للعمّال،يستوقفنا مشهد العامل بحدِّ ذاته،وهو في يوم تكريمه يرتدي ثياب التعب والجهد، لا ليُكرَّم بها ،بل ليذهب بها إلى عمله في ظلِّ عطلة رسمية لكلّ قطاعات الدولة احتفاءً وتقديراً.
إنَّ العامل اليوم يبذل قُصارى جهده في سبيل رفع مستوى معيشته،دون أن يلقى تعبه التقدير الملائم والضمانات المحقة للعيش الكريم.
فالقصر الجميل الذي يُبهرك تصميمه،يقف خلفه عاملٌ أُنهِكت قواه في سبيل تصويره على هذا النّحو الجميل،إلّا أنَّ الرّؤية الأولية والدائمة تختصر كل هذا الجهد بل تتجاوزه بمقولة “يا لجمال هذا القصر! ”
ما نودّ قوله أنَّ كواليس الأشياء هي صنيعة الحدث الجميل ،فالمسرحية يصفّق لأبطالِها الجمهور مستخلصين المشهد الجاهز المتكامل متغافلين عن كوادر الكواليس من مُنَسِّقي ألبسة وصوت وإضاءة…
فعلاً ،التاريخ لا يذكر الجنود،إنّما يستذكر قادة المعارك فقط..
يقول “أبتون سنكلير” :
بغضِّ النظر عن الإجحاف الإقتصادي الّذي تمارسه الحكومة على الطبقة العاملة والفقراء ، إلا انه يتم معاملتهم بتهميش ودونية ، كأنهم غير مهمين في المجتمع، في حالة من الفصل الطبقي بين الناس ، بينما هم يعيشون حياتهم في عالم دون بريق وصخب، هناك حيث يمكننا أن نتعلم منهم الكثير.” –
ويؤسفنا مع مرور الوقت أنَّ هذه المقولة ما زالت تُستخدم في يومنا هذا لتصوير حالة العامل لكن…ما من مجيب…ولا حسيب ولا رقيب..!!
حسيبٌ على الظّلم الّذي يطرأ على الطبقة الكادحة العاملة والّتي لولا وجودها لَما نهض المجتمع بالكثير من القطاعات .
إنَّ الأتحاد العمالي العام أثنى على جهود العمّال والطبقة الكادحة التي تعمل بجدّ في ظلّ ظروف اقتصادية غير مهيّأة مُحاولاً أن يؤمّن رفع بدل النقل للقطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى وضع مشروع موازنة مُخففة للضرائب،
وتمَكّنَ الإتحاد بقوّة العمال والعاملات والنقابيين والنقابيات ومثابرتهم أن يساعد في انتزاع القليل من حقوقهم المهدورة ومكتسباتهم الضائعة، فاستطاع أن يرفع الحد الأدنى الرسمي للأجور إلى تسعة ملايين ليرة شهرياً، ورفع بدل النقل عن كل يوم عمل إلى 250 ألف ليرة ويسعى لاحقاً الى رفعها الى 450 ألف ليرة مساواةً في القطاع العام.وساهم بفعالية برفع رواتب جميع العاملين في الإدارة العامّة إلى سبعة رواتب والمتقاعدين ستة رواتب، وزاد من مداخيل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مبالغ إضافية كبيرة تمكّنه من زيادة التقديمات إضافةً الى تعزيز مداخيل الهيئات الضامنة الأخرى.
إنَّ النّضال العمّالي مستمرٌّ منذ قرون عديدة،ولكن إعلان الواحد من أيار تعود خلفيّته إلى الواحد من أيار ١٨٨٦ حيث نظَّم العمال في شيكاغو إضراباً عن العمل بهدف تخفيف وتحديد ساعات العمل إلى ثماني ساعات، بالإضافة إلى مطالبتهم في حقّ العامل في الراحة.
الحقّ لا يموت إذا لم تسكت أفواهُه،إذا لم تصمت مساعيه عن المطالبة والسّعي وراءه،ولنستذكر دوماً أنَّ معيار شرف الانسان يكمُن في عمله، فبمقدار رفضه للعَوز ولإحتياجه مدّ يد العون للآخرين تكمُن عزّة نفسه،أذ أنّ العمل يُبعد عن الرّذيلة والسّموم والشرور..
تحيّة في عيدكم..تحيّة لسواعدكم السمراء،لجباهكم الّتي تعكس ضوء الشّمس،لتشقّقات أيديكم الّتي تحوي حنان العالم بأكمله..
تحيّة مصبوغة بزهر أيار..
رشا حسين ميدان برس