ثلاثة وخمسون نائبًا مسيحيًا من أصل أربعة وستين حضروا خلوة “بيت عنيا” في حريصا. أي أن الذين غابوا هم أحد عشر نائبًا. ولكن الأهم ما في هذه الخلوة أن نواب التكتلين الأكبرين، أي تكتل “لبنان القوي” وتكتل “الجمهورية القوية”، مع نواب حزب “الكتائب اللبنانية”، والنواب المؤيدين للوزير السابق سليمان فرنجية، وعدد من المستقلين التقوا للمرّة الأولى وجهًا لوجه. وبالتأكيد كان بينهم “سلام وابتسامة وكلام “، ولم يُعرف إذا ما كان ثمة اتفاق على موعد للقاء آخر بعد “السلام والابتسامة والكلام”
المهم بالنسبة إلى كل مسيحي معني، سواء أكان من جبل لبنان أو من الشمال أو من الجنوب أو من البقاع أو من العاصمة بيروت، وهم موجودون في كل لبنان، أن تكون هذه الخلوة قد كسرت الجليد، الذي تراكم على الطرقات التي تفصل كلًا من “معراب” عن “ميرنا الشالوحي” و”بنشعي” و”الصيفي”، وذلك بفعل التنافر القائم بين أقطاب المقيمين في هذه المقرّات على خلفية عدم توافقهم على مرشح واحد أو أثنين أو ثلاثة على أبعد تقدير، لأن تكبير لائحة الأسماء يعني الدخول في دهاليز لا يكون الخروج منها أمرًا سهلًا، مع ما يعنيه ذلك من أن الأسماء التي تُطرح من هنا ومن هناك لا غبار على مسلكيتها الشخصية، ولكن للرئاسة أصولًا يجب على كل من يتعاطى فيها أن يدرك أن لهذا المقام “قدسية” رمزية لا يمكن إشاحة النظر عنها. ويكفي أن نتذكر أسماء كان لها وزنها التاريخي في مسار الجمهورية عندما تولوا رئاسة الجمهورية لكي نعي أهمية هذه الخطوة.
فـ “كبّ” الأسماء بهذا الشكل، كما تطالعنا به بعض وسائل الاعلام المعروفة الأهداف والهوى، هو مسيء إلى مقام رئاسة الجمهورية أولًا، وإلى الأسماء التي يتم تداولها ثانيًا، مع التشديد على أن لكل هذه الأسماء مقدرة شخصية لا غبار عليها.
فإذا كانت خلوة “بيت عنيا” – حريصا بداية البدايات، فإن جميع اللبنانيين، وليس المسيحيين فقط، يؤيدون أي خطوة من شأنها أن تقرّب ما بين وجهات النظر المتباعدة والمتناقضة والمتنافرة، أو أن تقّلص المسافات بين مقرّات الأقطاب الأربعة، وهي تُقاس ببضعة كيلومترات، ولا يحتاج المرء لقطع هذه المسافات سوى القليل من الوقت، خصوصًا إذا ما كانت الدروب مفروشة بالورد والياسين ومنزوعة الأشواك عن جوانب طرقاتها.
فإذا لم تكن دروب “معراب” و”ميرنا الشالوحي” و”بنشعي” و”الصيفي” ستؤدي إلى “طاحونة بعبدا”، فإن حدود مفعول صلوات سيدنا البطرك الراعي ستبقى محصورة ضمن جدران كنيسة سيدة لبنان في حريصا، خصوصًا أن كثيرين من بين النواب الـ 53 الذين لبّوا نداء راعيهم لا يؤمنون بأعاجيب هذا الزمن، الذي وصفه البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير بأنه زمن سيئ.
وفق المنطق الطبيعي للأشياء فإنه يُفترض أن يكون خميس الغسل، الذي يلي “أربعاء أيوب”، والذي يسبق يوم “الجمعة العظيمة”، وقبل عيد القيامة المجيد، يومًا آخر غير الأيام التي سبقته. فما بعد “خلوة أربعاء أيوب” يجب ألا يكون كما قبله، أقّله على مستوى العلاقة بين هؤلاء النواب، الذين “صلّبوا” أيديهم على وجوهم، واتكلوا على الله، وأوكلوا إليه أمورهم.
فإذا لم تُغسل القلوب من كل ما علق منها من ترسبات وأوساخ فإن يوم خميس الغسل يبقى مجرد ذكرى تُستعاد برمزيتها الروحية، ويبقى فعل التواضع الكبير يتيمًا في الزمان والتاريخ، وهو مطلوب من كل مسيحي، وبالأحرى من كل من يتولى مسؤولية باسم من يمثلهم طائفيًا في الندوة البرلمانية، وصولًا إلى مواطنة حقيقية، وإلى تواصل دائم بين جميع مكونات الوطن.
أمّا إذا كانت تلبية هذه الدعوة لأخذ الصور فقط، ولكي لا يُقال أن فلانًا قاطع وعلتانًا “آخد على خاطرو”، فالمشكلة ستزداد تعقيدا وعندها لا يمكن لاحد من المشاركين في اللقاء ان يتنصل من المسؤولية عنها.
المصدر:لبنان ٢٤