بتستحلي الفتوش..!!!

بتستحلي الفتوش! من كلمات أغنية للشّاعر “أحمد قعبور” والّتي قدّمها للتّلفزيون اللُّبناني والعربي بمناسبة شهر  رمضان قبل عدّة سنوات.؛أي قبل سنوات من الأزمة الإقتصادية الّتي يمرُّ بها لبنان .ما كان يقصدُه “قعبور” في  أغنيته أنَّ الصّائمَ عندما يرى ألوانَ “الفتوش” الزّاهية والجميلة، لا يروق له الإنتظار البتّة حتّى قدوم موعد المدفع الّذي سيأذن له بالإفطار؛إذ يتضوّر جوعاً وحماساً.

وما بعد الحماس إلا الفرج،يأتي أذان المغرب ،فتجتمع العائلة حول طاولة الإفطار؛وهم في حيرةٍ من أمرهم حول ماذا سيأكلون أولاً؛فالأصناف الّتي غطّت الطّاولة كثيرة ومنمّقة؛وكأنّ هذه  الطّاولة هي بمثابة مكافأة لهم بعد تعب نهار طويل

توقفوا توقفوا!!لا تعيشوا حالة استحضار لرمضاننا القادم بعد عدة أيام؛فهذه الصورة كانت قبل عدة سنوات؛.

عندما كان المواطن اللبناني ينعم بإخضرار الحياة

 

رمضان شهرّ كريم؛ولن يترك أبناءه جوعى؛إلّا أنَّ أرباب الأزمات من مسؤولين وتجار؛دفعوا النّاس إلى نسيان حرمة الشّهر الفضيل، نقصد أنَّ ذكر رمضان كان مرتبطاً دائماً بالعبادة ، وممارسة الطقوس الدينية؛ أمّا اليوم ، فعند سؤالك لأيّ لبناني عن استعداده النفسي لرمضان؛يأتي الجواب على غير محمل السؤال؛إذ تكون الإجابة ملوّنة بالكثير من الأرقام والأسعار وقوائم الاحتياجات الرّمضانية، يأتي الجواب على هذا الشكل في ظلِّ ارتفاع الدّولار وملامسته ل ١٠٠  ألف ليرة مُسجِّلاً رقماً قياسياً لم يُسجَّل سابقاً في تاريخ لبنان..

يُجيبك عن سعر قارورة الغاز وعن همّ تأمين الطّبق اليومي ؛فالأصناف تحرّرت من صيغة الجمع ،لتعود وتحتل صيغة المفرد؛على حد قولهم”طبق واحد ويا دوب”

أمّا “الفتوش “الذي استهلَّ مقدّمة المقال؛فإنَّ تحضيرَه باتَ مكلِفاً أكثر من تكلفة الطّبق الرّئيس؛أو ما يوازيه؛”والفتوش” كما هو معلوم” أكلة الفقير”؛ فإذا لم يجد ما يأكله؛تراه يلجأ لمنتجات الطبيعة كي يسدَّ رَمَقَ جوعه ؛أمّا اليوم باتَ سعرُ كيلو البصل يُدمع العين قبل تقطيعِه ،ويزهِق الجيب عند شرائه..

أيامٌ عصيبة ستمرُّ على الصّائم اللّبناني في ظلِّ محاولات أدبية ،مصاغة بكلمات برّاقة هدفها تهدئة النّفس اللّبنانية ؛إلّا أنّ الواقع المعاش هو سيّد الموقف ..

فعلاً، كم من أناسٍ ستعاني في هذا الشّهر الّذي بات التحضير له مادياً ينسينا روحانيته وسبب قدومه، فنحن نستضيفه كلّ عام كي نطهّر أرواحنا الملوثة،كي يثلج بل يجمّد أمارات الحقد والحسد والكراهية من قلوبنا.

كلامٌ في الصّميم..أليم.. نعم، لكنّه حقيقيٌّ واقعي،كلام مطروحٌ بِلا مزايدات، وبلا عبارات رنّانة لا تُسمِن ولا تغني من جوع.

كلامٌ أضعٌه وأنا تحتَ كَنَف المنبر الحرّ “ميدان برس” أضعُه في عهدةِ المسؤولين بغيةَ عدم وصول اللّبناني لمرحلة منهِكة أكثر من ذلك “ويصير يستحلي الفتوش!!!”

ولمنع تصيير “حتوتة رمضان “المليئة بالأشكال والألوان،وتحويلها إلى روزنامة أرقام تثقل كاهل القلوب

رشا حسين ميدان برس