يمرُّ الكونُ بهيكليات متفرِّدة،يمرُّ بخطى متسارعة نحو غدٍ مضطرب،وآنيّةِ لحظات خافقة،متوترة.
يمرُّ الكون بأسره ضمن سيرورة أحداث سخّرها القدر،حيث لا مفرَّ من البقاء والمواجهة،فإما البقاء أو الرحيل.
المسألة لا تكمن في الرحيل بقدر ما تكمن في دائرة البقاء،وفي استشعار لحظات التعاطف مع المنكوبين والمستضعَفين.
لم تُعرِّف السطور آنفاً الظاهرة المخيفة التي فتكت بالمجتمعات الإنسانية كافة،لأنَّ ما خفِيَ من المعنى ،هو كلّ المعنى،ولأنّ من ذاقَ لوعة الحدث الأسود ،يستطيع أن يقرأ ما بين السطور،ويفقه من المعنى ما نودُّ إليه إيصاله!!
زلزال بأقوى الدرجات ضربَ تركيا وسوريا ،وهزّات أرضيّة شعر بها سكان لبنان، والعديد من الدول العربية والغربية.
زلزال أودى بحياة آلاف الأشخاص ،ودمّر المباني السكنية والمحال التجارية؛زلزال حامل رسالة الآيات الدينية والإنسانية كافة ،ها قد أتى ليذكّرَ الناسَ بحكمة بالغة الحكمة “كلُّ من عليها فان”.
المشكلة أنّنا نعلم وبيقينٍ تام أنَّ “كل من عليها فان”،ورغم ذلك،ما زلنا ننهش بأرواحِ بعضنا البعض،ونفتك بكلِّ ما أعطته إيّانا الإنسانيّة والتعاليم الدينية المسطِّرة لمفهوم المعاملة الحسنة ،والرِّفق بالآخر!
أين نحن من هذا الكلام؟!نحن ضيوف الأرض،لكنّنا ضيوفُ ثِقال،لكنّنا لم نرحم عائلات لا سقف يأويها ،فالمسْكَن حتى بعد ظاهرة الزلزال قد ارتفعت قيمة أجرته،والمساعدات المادّية قد سُرِقت من أشخاص هم أهل للثقة ،عدا عن النفوس النائم ضميرها،التي لم تحرّك ساكناً، ولم تعط هذا البلاء قيمة ومساحة.
الكمُّ الهائل من التعاطف والتبرّع العينيّ والمادي_ والّذي يُجَلّ ويُقدَّر بما يفوق اللّغة والعبارة والجملة_لم يستطع أن يغطّي على ظاهرة استفحال اللّامبالاة والتقهقر التي شهدها العالم .
احترام البلاء وإعطائه قيمة مشاعر ،ومساحات تفكير لا يُقصَد به التبرعات العينية والمادية ،بل الرّحمة القابعة في النفس الإنسانية التي إذا ما استُثيرت،جعلت الكون أخضرَ.
وللأسف، نحن نتوق ونشتاق لمثل هذه الأحاسيس الّتي غطّاها الجشع والطمع، وتآكل النفس الإنسانية بسبب نهش أبنائها المتواصل لزملائهم الضيوف على أرض المعمورة..
الزلزال حادثة كونية جغرافية لها أسس علمية،قائمة على دراسات وخرائط وأرقام،أمّا الرحمة والقسوة هما مكتسبات بيئية بحتة،ونحن من يتحكم بصنع الظاهرة الأقوى!!
وإن لم يغيّر ما حدَثَ في أنفسنا شيئا ،فالسلام على أيِّ تغيير تصنعه المواقف اليومية فيما بعد!!
وعند هذا الحدّ من الكلام ،ينتهي الكلام،وينتحر حدّه على منصّة الصمت!!
رشا حسين ميدان برس