وقف المساعدات النقدية عن نازحين… هل يدفع إلى “العودة”؟

كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:

تلقّى عدد من النازحين السوريين رسائل نصية من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) وبرنامج الأغذية العالمي، تفيد بوقف المساعدات الممنوحة لهم في لبنان. وفيما ربط البعض بين هذا القرار وضغط لبنان الرسمي على المجتمع الدولي لتشجيع عودة النازحين الطوعية، إلّا أنّ هذا الإجراء «اعتيادي» وليس بالجديد، بحسب المفوضية، وغير مرتبط بمسألة عودة النازحين الى سوريا. وبالتالي لا يُعوّل عليه في دفع العدد الأكبر من النازحين الى مغادرة لبنان والعودة الى بلادهم، فهذه العودة لا يزال المجتمع الدولي يربطها بالحلّ السياسي الشامل في سوريا أو بتوافر الظروف التي يعتبر أنّها آمنة ومشجّعة من وجهة نظره. لذلك سيستمرّ لبنان في تحمُّل هذا العبء مع بعض «المسكّنات» الدولية، مثل القرار الذي اتخذه أخيراً المجلس التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي بتخصيص مشروعه في لبنان للأعوام 2023-2025 مناصفةً بين النازحين السوريين واللبنانيين، بعد أن كان يُقسم بنسبة 70 في المئة للنازحين و30 في المئة للبنانيين.

قرار وقف المساعدات لبعض النازحين السوريين في لبنان يدخل حيّز التنفيذ بدءاً من كانون الثاني 2023، وبموجبه ستتلقى نحو 78 في المئة من عائلات اللاجئين السوريين في لبنان (234 ألف أسرة) مساعدات نقدية شهرية، بما في ذلك من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي والمنظمات غير الحكومية، في حين يتلقى حالياً نحو 90 في المئة من عائلات اللاجئين السوريين في لبنان (269 ألف أسرة) هذه المساعدات. وإذ سيجرى استبدال معظم العائلات التي ستتوقف عن تلقي المساعدة بأُسر اختيرت حديثاً ولم تحصل على المساعدة حتى الآن، لكن مع ذلك، وبسبب عدم كفاية الموارد لتلبية الاحتياجات المتزايدة، سينخفض ​​العدد الإجمالي للأسر التي تتلقى مساعدات نقدية شهرية بمقدار 35 ألف أسرة في العام 2023.

وعن أسباب هذا القرار، توضح المتحدثة الرسمية باسم مفوضية اللاجئين في لبنان ليزا أبو خالد في حديثٍ لـ»نداء الوطن»، أنّ «المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي يعدّان برنامج المساعدة النقدية لعام 2022/23. وبسبب القيود المالية، يجب على المفوضية والبرنامج الاستمرار في إعطاء الأولوية للمساعدات النقدية والغذائية للأسر التي تمّ تحديدها على أنّها الأكثر ضعفاً اقتصادياً. وفي كلّ عام، تجري المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي تمريناً لمراجعة أوجه ضعف أسر اللاجئين، وللتأكد من أنّ المعايير التي يستخدمانها تتوافق مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي في البلد». إنطلاقاً من ذلك، ووفقاً لآخر مراجعة لحالة الأسر، لم يجرِ اختيار بعض العائلات للحصول على المساعدة في العام المقبل، بينما جرت إضافة عائلات لم تكن تتلقّى المساعدة سابقاً كمستفيدين جدد. لكن قد يظلّ اللاجئون الذين تمّ إبلاغهم بأنّهم لن يتلقوا مساعدات نقدية أو غذائية بعد الآن، مؤهلين للحصول على برامج مساعدة أخرى».

هذا القرار اعتيادي ويُتّخذ سنوياً، فضلاً عن أنّ المساعدات الإجمالية قد لا تُحجب كلياً عن النازحين الذين جرى استبعادهم، بل قد يتوقف بعضها فقط ويستمرّون بتلقي البعض الآخر منها. وتشرح أبو خالد أنّ «الموارد المالية المتوافرة لدى المفوضية وبرنامج الأغذية تسمح بمساعدة عدد محدود من العائلات، ونحن ندرك أنّنا لا ندعم جميع من يحتاجون إلى المساعدة. لكن سيتوقف بعض اللاجئين فقط عن تلقّي المساعدة الشهرية للاحتياجات الأساسية التي تقدّمها المفوضية أو برنامج الأغذية العالمي، إلّا أنّهم قد يستمرّون في تلقي المساعدة من برنامج الأغذية العالمي لتغطية الاحتياجات الغذائية لكلّ فرد من أفراد الأسرة. كذلك قد تستمرّ عائلات أخرى في تلقي المساعدة الأساسية لكنّها قد لا تحصل على المساعدة الغذائية من برنامج الأغذية العالمي. وقد لا يتلقّى بعض العائلات مساعدة نقدية شهرية لتغطية احتياجاته الأساسية، لكنه قد يستمرّ في تلقي المساعدة الشتوية». وسيتمّ إبلاغ هؤلاء النازحين بالتغييرات التي تطرأ على المساعدة التي يتلقونها وفقاً لذلك.

وفي حين يعوّل لبنان على أي إجراء يشجّع النازحين على العودة الى سوريا، ويعتبر أنّ المساعدات الدولية التي تُمنح لهم في لبنان من أبرز العوامل التي تشجّعهم على البقاء في البلد وفي مخيمات النزوح بدلاً من العودة الى أرضهم الأم، تؤكد أبو خالد أنّ توقّف المساعدات عن بعض النازحين «غير مرتبط بمسألة العودة، وهذه العملية ليست جديدة بل تحصل سنوياً، لكي تصل المساعدات التي نقدر أن نقدّمها بحسب الموارد الموجودة، الى الأشخاص والعائلات الأكثر حاجة وفقراً».

أمّا على مستوى المساعدات الإجمالية التي يتلقّاها النازحون السوريون في لبنان من مفوضية اللاجئين وبرامج المساعدات النقدية والغذائية الشهرية لبرنامج الأغذية العالمي والشركاء الإنسانيين الآخرين، فازدادت اعتباراً من أيلول 2021، في ضوء التضخّم والزيادة في الأسعار، بحيث باتت مليون ليرة لبنانية نقداً لكلّ أسرة شهرياً و500 ألف ليرة للفرد شهرياً للطعام، (بحد أقصى 6 أفراد لكلّ عائلة، أي بحد أقصى 3 ملايين ليرة لكلّ عائلة في الشهر).