المياه المكرّرة “مش مكرّرة”

كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:

«شو عم نشرب؟» سؤال راح يتسلل الى احاديث الناس بعد تزايد اعداد الاصابات بنوبات الكلى جراء المياه المعبأة بعبوات توزّع على المنازل مصدرها محطات تكرير فرّخت كالفطر في منطقة النبطية من دون حسيب او رقيب.

90 في المئة من هذه المحطات، ان لم يكن اكثر، غير مرخّص لها، ورغم انها خاضعة لوزارتي الصحة والصناعة فالاخيرة غائبة عن السمع، والصحة عاجزة عن اجراء فحوص مخبرية للتأكد من صلاحية مياه الشرب، ما يعني ان «شريعة الغاب» تسيطر على قطاع نشط كثيراً بفعل ازمة مياه تواجهها المنطقة، غير ان صحة المواطن باتت على المحك، فكيف مع تفشي وباء الكوليرا، ومن يحميه من خطر هذه المحطات واين الرقابة، ومن يدفع كلفة علاج المريض، لا يخفي طبيب الكلى محمد شكرون تزايد اعداد الاصابات بنوبات الكلى وانسدادها، عازياً السبب الى المياه الكلسية ومياه محطات التكرير غير المطابقة لمواصفات الصحة العامة.

ويقول إنّ «كلفة العبوة من محطة التكرير 20 الف ليرة، في حين أن كلفة العلاج من نوبات الكلى تتخطى الـ60 دولاراً، أي أن المواطن يدفع ضريبة هذه المحطات من صحته وماله، فأين المراقبة؟». في النبطية محطات تكرير بالمئات شرّعت ابوابها للعمل من دون تراخيص متوخّية الربح على حساب صحة المواطن، ويستعمل العشرات منها مياه الآبار المستقدمة عبر جرّارات، وتبيعها على انها مكرّرة، مستغلّة غياب الرقابة الحكومية عليها.

«المياه المكررة مش مكرّرة»، هذا ما تؤكده احدى العاملات في احدى محطات تكرير المياه في منطقة النبطية، جلّ ما تقوم به المحطة انها تنقل المياه من خزّانات عادة ما تكون غير نظيفة، الى «فيلتر» بالكاد يصفّيها من الحصى، وتعبّأ في عبوات تباع للمواطنين على انها مكرّرة، بأسعار تخطّت الـ25 الف ليرة للعبوة. وفق العاملة نفسها «أحياناً نملأ العبوات من مياه خزّان غير مخصّص للشرب، وأحياناً نستقدمها عبر صهاريج تنقل الى المنازل، من إحدى الآبار الارتوازية، أي أنّها غير صالحة للشرب»، والأخطر بحسبها «ان معظم الصهاريج غير مخصصة لنقل مياه الشرب، فهي مختصة بنقل مياه الاستخدام فقط»، وتجزم بأنّ «الغش كبير داخل هذه المحطات التي تحولت تجارة مربحة بفضل الازمة، فالرقابة غائبة كلياً، والاخطر انها غير مرخصة، ولا تخضع للفحوصات المخبرية».

لا تخفي مصادر وزارة الصحة خطورة هذه المحطات، مؤكّدة أن 5 منها فقط تستوفي الشروط، والاخرى تعمل بشكل غير شرعي، وتجزم بأنّ مراقبي الوزارة عاجزون عن القيام بدوريات رقابة بسبب البنزين ونقص اعداد المراقبين. ولا تنكر المصادر «أنّ الخطر كبير، خصوصاً وأنّ لا احد يعرف مصدر المياه وعادة ما تكون من مياه الآبار، أضف الى أنهّا تنقل عبر صهاريج قد لا تكون نظيفة، والأخطر أنّ المحطات هي بالاسم محطات»تكرير»، وفعلياً تعبئّ المياه للناس نصف مكرّرة، ما يؤدّي الى ارتفاع اعداد اصابات الكلى ونوباتها، وقد تكون سبباً في انتشار الاوبئة كالكوليرا».

على عجل دخلت بيداء الى قسم الطوارئ في المستشفى، تعاني آلاماً حادة في الكلى، وفي القسم اكثر من 7 حالات كحالتها، وهو عدد يتكرّر يومياً بشكل تصاعدي. الأخطر بحسبها أنّها تشرب اكثر من 5 ليترات يومياً وهي كمية يستحيل معها الاصابة بنوبة كلى، غير ان الطبيب أخبرها بأنّ المياه غير صالحة للشرب. وتؤكد انها تشتري عبوات المياه من احدى محطات التكرير في المنطقة على اعتبار انها مكرّرة وصالحة للشرب، ليتبين لها أن مياه الينابيع وحدها صالحة للشرب وما عدا ذلك كله استغلال. وتشير الى ان فاتورة العلاج كبيرة، وانها اضطرت لدفع مليونين و300 الف ليرة في المستشفى عدا الادوية، «فإذا كانت كلفة علاج النوبة 60 دولاراً، فكيف بعلاج الكلى والحصى منها؟».

يخشى الاهالي الكوليرا من المياه غير المكررة والخضار الملوثة واللحوم وغيرها، ما قد يضع صحتهم وحياتهم على المحك في ظل تحلل الدولة واجهزتها الرقابية.