ها هو شبحُ الحرِّ الذي اجتاحَ صيفَ اللّبنانيينَ يودّعُ ساكنيه ،معلناً برحيله قدومَ البلاءِ ،والغلاءِ،والفحشاء..
فأن تعيشَ في بلدٍ لا يؤمّنُ لمواطنيه أبسطَ حقوقِ الآدميةِ من تدفئةٍ واكتفاءٍ، فهذا بحدِّ ذاتِه يُعتبرُ من الفحشاءِ والمنكر..
نعم،يعيشُ اللّبنانيونَ اليومَ معاناةَ ما قبلَ الصدمةِ من تفكيرٍ مستمرٍ حول كيفيةِ تأمينِ مستلزماتِ الشّتاءِ القائمةِ بأولِها طبعاً على التدفئةِ، ناهيكَ عن مؤونةِ الشّتاءِ الّتي باتَت تحتاجُ إلى مساندةٍ من مالِ قارونَ لتأمينِها..
كيف لا ،والشّعبُ باتَ منهكاً منهمكاً في كيفيةِ تأمينِ
لقمةِ اليوم و”لبكرا بحلها الحلّال”.
فمع غيابِ الدولةِ عن معاناةِ أبنائِها ،يتعزّزُ لدى المواطنين مفهومُ الرغبةِ في التغييرِ، والميلُ إلى صقلِ الجهودِ في سبيلِ تحقيقِ ثورةٍ على السنواتِ العجافِ..
زد على ذلك ،أنّ ما ستشهدُه المناطقُ اللبنانيةُ عامة، والداخلية خاصة من بردٍ قارسٍ دفعَ بأبناءِ هذه المناطق بالتوجهِ الى الاحراجِ بغيةَ تأمينِ الحطبِ كوسيلةٍ بديلةٍ عن المازوت ،وهذا بعد أن ارتفعَ سعرُ طن الحطبِ ليتجاوز ثلاثةَ ملايين ليرة مودّعين مع كلِّ ضربةِ فأسٍ
لبنانَ الأخضرَ الجميل.
الموتُ برداً..عبارةٌ باتت تتردّدُ على مسامِعنا في السنواتِ الأخيرة ،ليدقَّ العصرُ الحجريُّ طبولَ الفتحِ الجديدِ لقرى لبنانَ ومناطقه كافةً.
بلدُ الارزِ يعاني من عتمةٍ شاملة ،حدٍّ أدنى للأجور ٦٠٠ألف ليرة في ظلِّ الإرتفاعِ الجنونيِّ لصرفِ الدولار، وفقدان الليرةِ اللبنانيةِ قيمتها الشرائية،ويأتي الشتاءُ ليكلّلَ قلوبَ النّاسِ بالهمِّ والمعاناةِ، فالحطبُ ليس بحلٍّ ومدفأةُ الكهرباءِ تحتاجُ إلى كهرباء ،والكهرباءُ غائبةٌ، ومدفأةُ الغازِ تحتاجُ الى غازٍ وسعرُ قارورةِ الغازِ يدمي القلبَ قبلَ العين..
لم يعدِ الشتاءُ فصلَ الحنينِ والذكريات ولمّةِ العائلة ،بل باتَ فصلَ الاكتئابِ والرغبة في الرّحيلِ الى وجهٍ آخر ..إلى وجودٍ آخر ،إلى بلدٍ لا يعيشُ فيه مواطنُوه بغربةٍ قارسة ..
والسؤالُ الّذي يُطرح بقوةٍ هنا:أين الدولةُ في ظلِّ هذه الصرخات؟أصمّاء عرجاء؟أأكلَ تفكيرُها الصّدأ؟!ما الهدف من كلِّ ما يجري على أرضِ الواقع؟سياسيةُ تجويعٍ وتفقيرٍ وهدمٍ للهرمِ الانسانيِّ القائمِ في أساسيّاتِ بنائِه على مبدأِ الاكتفاءِ الذّاتي..فأيُّ حربٍ باردةٍ هذه يعيشُها اللّبنانيّون؟!
الموتُ جوعاً أو الموتُ برداً..أنتم أمامَ خيارين :أحلاهُما مرُّ
رشا حسين ميدان برس
