اللبنانيّون يغيّرون سلوكيّاتهم الشّرائية: السّعر بدلاً من الجودة!

كتبت جويل الفغالي في “نداء الوطن”:

يتعامل المواطنون اللبنانيون بـ»عملة وطنية» تخسر يومياً من قيمتها، وتتراجع معها القدرة الشرائية، فالسّواد الأعظم منهم ما زال حتى اليوم يتقاضى راتبه بالليرة اللبنانية، بالمقارنة مع عدد بسيط يحصل على راتبه بالدولار. الأمر الذي دفع الكثير من المستهلكين إلى تغيير نمط حياتهم، الذي لطالما ارتكز على الرفاهية والبحبوحة، ليجدوا أنفسهم بالكاد يقدرون على تأمين حاجاتهم الضرورية. ومن كان محسوباً على الطبقة الوسطى أصبح اليوم من الطبقة الفقيرة، ومن كان فقيراً أصبح يرزح تحت خط الفقر المدقع.

جاء لبنان في المرتبة الأولى عالمياً على مؤشر البنك الدولي لتضخم أسعار الغذاء، متخطّياً زيمبابوي التي جاءت في المرتبة الثانية، وفنزويلا في المركز الثالث. الأمر الذي يشير إلى حجم التحديات المقبلة على لبنان الذي يعاني أزمة حادة في أمنه الغذائي. وحذر البنك الدولي في تقرير جديد له من خطورة استمرار التضخم المرتفع في معظم البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، مشيراً إلى أن حصة البلدان المرتفعة الدخل، التي تواجه تضخماً مرتفعاً، تشهد زيادة حادة في معدّلاتها هي أيضاً.

أبرز الأسباب

أظهرت إحصاءات البنك الدولي للعام 2022 «استمرار أسعار المواد الغذائية والمشروبات في الارتفاع في العديد من دول منطقة الشرق الأوسط مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وعزا السبب المباشر في هذا الواقع إلى الحرب الروسية على أوكرانيا، حيث تعتمد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل كبير على منطقة البحر الأسود لاستهلاك القمح، مؤكداً أن الحرب في أوكرانيا تهدّد البلدان الفقيرة بأزمة الغذاء». وإذ أشار التقرير إلى «أن القمح يعدّ أحد الأغذية الأساسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن الحرب في أوكرانيا تتسبّب بحدوث خلل في سلسلة توريد القمح ما يسبّب مشاكل حرجة في الأمن الغذائي في المنطقة. نتيجة لذلك، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك للغذاء بشكل ملحوظ في معظم بلدان المنطقة، التي تواجه نقصاً حاداً في القمح حيث سجل لبنان نسبة 216 في المئة». وذكر التقرير «أن الحرب الروسية على أوكرانيا جاءت في وقت كانت فيه أسعار المواد الغذائية تشهد ارتفاعاً بالفعل، بسبب مجموعة من المسبّبات أبرزها حالات الجفاف التي تؤثر في البلدان الرئيسة المنتجة للمحاصيل، وجائحة كورونا التي أثرت على سلاسل التوريد حول العالم، ما وضع البلدان الأفقر في حالة يرثى لها بسبب عمليات الإغلاق».

التضخم وتراجع القدرة الشرائية في لبنان

إلى جانب الحرب الأوكرانية الروسية، يمرّ لبنان بأزمة اقتصادية حادّة سارعت في انهيار البلد. ويصف البنك الدولي الأزمة في لبنان بأنها «واحدة من أشدّ الأزمات في المئة عام الأخيرة»، وأكد «أن انعدام الأمن الغذائي مستمرّ لعدة أسباب، من بينها الزيادات القياسية في أسعار المواد الغذائية والتي جعلت 19 في المئة من سكانه يواجهون نوعاً من نقص الغذاء، إضافة إلى الصراعات المسلّحة المستمرة، والنزوح الذي أدّى إلى تأجيج انعدام الأمن الغذائي في بعض دول المنطقة». وبجولة على بعض الدكاكين والسوبرماركات، يؤكد أحد تجّار الجملة «أن حوالى 75 بالمئة من الشعب اللبناني اضطروا إلى تغيير سلوكيات حياتهم اليومية، ولم تعد الجودة أو العلامة التجارية مهمة بالنسبة لهم، وما ينظرون إليه هو أسعار السلع الغذائية، حيث يتّجهون نحو شراء الأرخص. ومن جهة أخرى، وبالرغم من وجود عدد قليل من الشعب الذي لم يتأثر بارتفاع الأسعار وما زال حتى اليوم قادراً على تأمين حاجاته الأساسية والكماليات، فإن وفرة هذه البضائع والماركات العالمية المعروفة في الأسواق اللبنانية (على سبيل المثال زيت ليسيور) لم تعد كما كانت. فهذه السلع بمعظمها مفقودة نظراً لأسعارها العالية، لذلك يتجنّب المستورد اللبناني شراءها ويتوجّه نحو الأرخص للتماشي مع متطلبات السوق». وأشار المصدر نفسه الى أن «المشكلة اليوم هي بغياب الرقابة على البضائع التي تدخل البلاد، هذه البضائع المصنّفة بسعرها المنخفض وجودتها المتدنية وأحياناً غير مطابقة للمواصفات، كالبضائع التركية والسورية التي تدخل عن طريق التهريب. ولكن بالنتيجة يتهافت الشعب على شرائها نظراً لسعرها المنخفض».

الدولار الجمركي

أشار وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام، في حديث إذاعي له إلى أنه «ما يشاع عن الـ 20 ألف ليرة بالنسبة لسعر الدولار الجمركي ليس رسمياً بعد، لأنّ السعر سيُّتفق عليه في خلال الأيام المقبلة بين وزير المالية وحاكم مصرف لبنان». ولكن ماذا سيحصل عندما يرتفع الدولار الجمركي؟ وكيف سينعكس على أسعار السلع؟ عضو المجلس الإقتصادي والإجتماعي د. أنيس بو دياب يجيب عن هذا السؤال قائلاً: «سيشهد الشارع اللبناني المزيد من تقهقر القدرة الشرائية من جهة، ومن جهة أخرى لن يؤدي هذا القرار إلى زيادة واردات الخزينة، بما أن الهدف الأساسي من رفع الدولار الجمركي هو زيادة الواردات، وذلك لعدّة عوامل أبرزها:

– زيادة التهريب الجمركي وخاصة لأن حدود لبنان مشرّعة دون أي رقابة وضوابط.

– زيادة الفساد في البلد (سنشهد عدداً من البضائع غير خاضعة للرسوم الجمركية).

– كثرة تداول الأحاديث والمزاعم حول زيادة الرسم الجمركي منذ سنة، ما أدى الى تحوّط التجار واستيراد جميع السلع المطلوبة للإستهلاك لعامي 2021 و2022 وحتى لعام 2023 على أساس سعر صرف دولار جمركي 1500 ليرة بهدف التخزين للإستفادة منها في ما بعد، الأمر الذي خلق خللاً في الميزان التجاري، حيث تضاعفت الأرقام بنهاية سنة 2021 حتى نصف سنة 2022. فمن الناحية العلمية، وبما أن رفع سعر الصرف هو إجراء نقدي، كان من المفترض أن يُتّخذ بشكل سريع وأن يُرفع بشكل تدريجي مع تحسين أجور العاملين وخاصة في القطاع العام».

وأخيراً حذّر بو دياب المستهلك من احتكار وفساد التجار الذين سيجدون رفع الدولار الجمركي حجة جديدة لرفع أسعارهم، «فعلى المواطن أن يدرك أنواع السلع التي تخضع لرسم جمركي والأخرى التي لا تخضع له كي لا يقع في فخ التجار الفاسدين».