“كتب محمد علوش في المدن :
لم تعد الضاحية مكانًا آمنًا للعيش. فقد يتعرض ساكنها لرصاصة أثناء شرائه حاجياته من محالها التجارية. ولا تقي براءة الأطفال من ذلك، كذاك الطفل الذي قتل في 24 حزيران المنصرم، في محل للخضار، نتيجة إصابته برصاصة لم تكن تستهدفه.
وإذا لم يصب الرصاص الطائش أطفالًا، فقد تصيبهم في الضاحية سهام المخدرات التي زاد عدد مروجيها مع اشتداد الأزمة الاقتصادية، وبات بعضهم يتخذ المدارس مركزًا لعمله في ترويج الأكياس البيضاء وبيعها.
أكياس بيضاء أمام مدرسة
عند الظهر تقريبًا، تظهر الوجوه الشابة نفسها أمام إحدى مدارس منطقة الشويفات، منتظرة وصول “الزعيم”. شبّان لا تتجاوز أعمارهم 18 سنة، يعملون في بيع المخدرات أمام أبصار الأساتذة الذين روى أحدهم لـ”المدن” ما يجري يوميًّا أمام المدرسة.
يصل رجل خمسيني إلى المكان، حاملًا علبة كبيرة مليئة بأكياس بيضاء صغيرة، فيتجمع حوله الشبان وعددهم حوالى ثمانية، ليحصلوا على حصتهم، وينتشرون أمام المدرسة وفي محيطها، منتظرين “زبائنهم” الذين اعتادوا على الشراء منهم.
بعد وقت قليل تصل سيارة أجرة تُقلّ فتاةً عشرينية، وهي زبونة دائمة. تنزل من السيارة وتقترب من أحد الشبان، تناوله مالًا فيناولها كيسًا، ثم تعود إلى سيارة الأجرة وترحل.
لم ير الأستاذ طلابًا من المدرسة يشترون المخدرات. لكن هذا لا يعني بحسبه أن الطلاب في أمان. فالجيل الناشىء معرّض لخطر الإنجراف في ظل توافر أسباب “الضياع” وسهولة الوصول إلى المخدرات. واشتكى الأساتذة للمعنيين، وحضرت دوريات أمنية أكثر من مرة لملاحقة الشبان، وأوقفت عددًا منهم. لكن وجوه الشبان كانت تتغير بسهولة، حسب الأستاذ. فمن توقفه القوى الأمنية يُستبدل بعد مغادرة رجال الأمن المنطقة. شبان جدد يزاولون عملهم وكأن شيئًا لم يكن. والفتاة التي تشتري المخدرات باتت تعلم طريقة سير الأمور. فهي حضرت مرة ولم تجد الشبان، فانتظرت في سيارة الأجرة حضورهم، متأكدة من أن انتظارها لن يكون سدى.
الحملة الأمنية مستمرة
يؤكد الأستاذ في روايته أن الأجهزة الأمنية كانت تحضر دائمًا ولم تُقصّر في عملها. لكن “وقاحة” المروجين وإرادتهم تفوقان الخيال. وحسب مصادر أمنية، فإن الحملة التي بدأت في الضاحية في نيسان الماضي، مستمرة وتعاظمت بعد أحداث الشراونة في بعلبك، حيث عمد بعض المطلوبين إلى الاختباء في الضاحية الجنوبية. وكشفت المصادر أن الجيش الذي شدّد قبضته على الضاحية تمكن جرّاء المداهمات من الحصول على أكثر من صيد ثمين، إلى جانب كميات كبيرة جدًا من المضبوطات، ونجح في تفكيك شبكات كاملة تعمل في بيع المخدرات.
وتؤكد المصادر أن العمل الأمني وحده لا يكفي لتحقيق الأمن. فخلال الأزمات الاقتصادية تتزايد الأنشطة الممنوعة. لذا، فالحل يكون دائمًا مشتركًا بين الأمن وتوفير الأمن الاجتماعي، وخلق فرص عمل لتقليص أعداد العاطلين عن العمل. فالبطالة تسهل اللجوء إلى الأعمال الممنوعة لتحصيل المال. ومروجو المخدرات عادة ما يكونون من القاصرين الذين تسربوا من المدارس، نتيجة فقر ذويهم أو لا مبالاتهم. وهذا يتطلب عملًا اجتماعيًا لمواجهته.