عاد موسم الهجرة غير النظامية من الشمال بزخمٍ كبير مع بداية الصيف. ويتوقع كثيرون تصاعد الظاهرة في الأشهر الثلاثة المقبلة، أي حين تضعف مخاطر المناخ. ويبدو أن مأساة غرق القارب قبالة شواطئ طرابلس في نيسان الفائت، لم تشكل رادعًا لمئات الأسر اللبنانية والسورية والفلسطينية، التي اتخذت قرارها الحاسم بمواجهة الموت في عرض البحر، مقابل الخروج من لبنان بأي ثمن. والمفارقة راهنًا، أن موسم الهجرة لهذا العام، لم يعد يقتصر على المدنيين، بل أضحى يضم بعض العسكريين المسرّحين والفعليين، الذين لا تقل أوضاعهم المادية والمعيشية سوءًا، فوجدوا بالهجرة غير النظامية ملاذًا لخلاصهم.
مركب العبدة
قبل أيام، توالت الأخبار من عكار عن انطلاق مركب من شاطئ العبدة الحدودي مع سوريا، وعلى متنه ما لا يقل عن 130 فردًا، هم رجال ونساء وأطفال، معظمهم من الجنسية اللبنانية، مع بعض السوريين والفلسطينيين، إضافة إلى عدد قليل من العسكريين، وكانت ينوي التوجه نحو السواحل الإيطالية، في رحلة تستغرق أسبوعًا كاملًا.
وهذا المركب الذي جرى تجهيزه لوجستيًا بالمازوت والمعدات والطعام، تمكن من تجاوز المياه الإقليمية اليونانية، وهناك واجه عطلًا تقنيًا، وفق شهادات ينقلها بعض سكان ببنين العكارية لـ”المدن”. وقبل نحو يومين، أقدم خفر السواحل اليوناني على إنقاذهم ونقلهم إلى سفينة أقلتهم إلى البر اليوناني، لكنهم رفضوا البقاء في اليونان. وهم ما زالوا عالقين بالسفينة ويطالبون بنقلهم إلى إيطاليا، وفق الشهادات عينها.
مراكب أخرى
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو للمهاجرين وهم على متن السفينة يهتفون “إيطاليا إيطاليا”. ويروي أحدهم بعض تفاصيل ما حصل معهم، ويعبرون عن رفضهم المطلق لدخول اليونان بذريعة أنهم لن يكونوا بأمانٍ هناك.
ويتحدر معظم هؤلاء المهاجرين من منطقة ببنين، التي تشهد وفق معطيات “المدن” حركة كثيفة لطالبي الهجرة غير النظامية. كما تمكنت بعض المراكب في الأسابيع الماضية، حسب المعلومات، من العبور ليلًا عند نقطة العبدة ومحيطها ليلًا نحو إيطاليا، التي أصبحت تعد مقصدًا رئيسيًا للمهاجرين بدل قبرص ومختلف الدول الأوروبية. هذا، في حين أن السوريين المهاجرين هم من بعض المخيمات السورية في عكار. أما الفلسطينيون فمعظمهم من مخيمي البداوي ونهر البارد، حسب معلومات “المدن”.
وفقد ذوي المهاجرين الاتصال معهم قبل أيام، فتصاعدت المخاوف من غرقهم في عرض البحر، قبل أن يعاودوا التواصل بهم بعد إنقاذهم من قبل خفر السواحل اليونانية.
مبالغ هائلة
وتشير معلومات “المدن”، إلى أن المهاجرين دفعوا للمهربين منظمي الرحلة، مقابل هربهم مبالغ مالية ضخمة على الفرد الواحد، تراوحت بين 4 آلاف و7 آلاف دولار، جرى توفيرها بعد أن باعوا ممتلكاتهم من سيارات وأثاث منازل… كما تمكن عدد قليل من الهجرة مجانًا بعد أن ساعدوا المهاجرين بتجهيز المركب الذي انطلق ليل الخميس الفائت.
ورصدت “المدن” بعض أسماء عائلات من هاجروا، وهم من آل حسين والمصري وطالب وطرطوسي والكسار وآخرين.
وتحول شاطئ العبدة، في الآونة الأخيرة، إلى نقطة استراتيجية للمهاجرين، سعيًا منهم للاستفادة من تداخله مع المياه الإقليمية السورية، وتاليًا، يواجه خفر السواحل اللبنانية مصاعب أمنية ولوجستية في توقيفهم، بعد تمكنهم من الإبحار من العبدة. وحتى الآن، لم يصدر عن مديرية التوجيه في الجيش اللبناني بيان حول ملابسات هجرة هذا المركب، الذي ضم بعض العسكريين المسرّحين والفعليين من عكار.
المدن