مايز عبيد – نداء الوطن
استحوذ خبر انهيار مبنى في محلة ضهر «المغر – القبة» في مدينة طرابلس الإهتمام وأعاد إلى الذاكرة حادثاً مشابهاً تمثّل بانهيار مبنى في الميناء أيضاً في أواخر العام 2019 وذهب ضحيته الأخوان كاخيا.
لا ينقص الرأي العام الطرابلسي قضية إضافية حتى يستثار غضبه، فحالة الحنق من الدولة والمسؤولين قد فاضت عن الذروة، وجاء الإنهيار ليشعل غضب الناس في الشارع وعلت صرخات الإعتراض على المسؤولين في المدينة وعلى الحكومة ورئيسها وعلى بلدية طرابلس ورئيسها بطبيعة الحال، كما أُقفلت بعض الطرقات في منطقة القبة تعبيراً عن حال الغضب والإستنكار العارم لدى الأهالي.
رحلت الطفلة جومانة الديكو البالغة من العمر 5 سنوات بنتيجة سقوط المبنى المؤلف من 3 طبقات، وبقي والدها خالد الديكو محاطًا بألمه ويأسه، مدسّراً بأنقاض مبنى، تعتصر قلبه الفاجعة التي حلت به. أما مراسم دفن الطفلة فكانت موعداً لغضب الأهالي وأبناء المدينة مما آلت إليه أحوالهم بسبب هذه السلطة الفاسدة المجرمة بحقّ شعبها. على الفور سارع سياسيو المدينة والمسؤولون فيها الى إصدار بيانات الشجب والإستنكار والتضامن والتعازي التي لا تُصرف في حسابات أهالي ضهر المغر والمناطق الفقيرة والأحياء الشعبية. وبحسب المعلومات فإن هذا المبنى قد بُلّغت البلدية بشأنه في السابق ولدى تحميل البعض البلدية المسؤولية، سارع رئيسها رياض يمق إلى رفع المسؤولية عنه وعن البلدية، من خلال مؤتمر صحفي اعتبر فيه أن «البلدية أعدت تقارير مفصلة بشأن المباني هذه وأرسلتها إلى جهات الاختصاص سواء للمديرية العامة للآثار في وزارة الثقافة او للهيئة العليا للإغاثة ولوزارة الداخلية والبلديات، إضافة إلى أن شرطة البلدية وجهت إنذارات للسكان بضرورة إخلاء هذه المباني الاثرية او القديمة الآيلة الى السقوط، الا أن الأهالي كانوا يرفضون عملية الإخلاء كما رفضوا ترميم مبانيهم لعدم قدرتهم على ذلك».
يؤكد عضو المجلس البلدي السابق المحامي خالد صبح أن «هناك عشرات المباني المتصدّعة ولا سيما في المدينة القديمة ومنها مبانٍ تراثية تعود إلى الحقبتين المملوكية والعثمانية وما بينهما الحقبة الصليبية، وأكثرية هذه المباني مهددة بالسقوط على رؤوس قاطنيها لغياب أعمال الترميم والصيانة وعدم قدرة المالكين أو الشاغلين على ذلك».
ويضيف «ثمة تعقيدات في الملكيات متشعبة وكثرة الورثة وطبيعة الإشغال وقانونيته، بالاضافة إلى أن الكثير من هذه المباني والمعالم التراثية ملك للاوقاف الاسلامية، عدا عن عدم إمكانية البلدية القيام بأعمال التدعيم والصيانة خصوصا وأن هذه المباني مأهولة وعلى فرض قيام البلدية بالتصدي والقيام بهذه الأعمال عند تمنع المالكين عن ذلك وتسجيله ديناً ممتازاً على العقار عملا بالقوانين المرعية الإجراء، فان هناك اشكالية منزل او مَعلَم… والمنطقة القديمة أكثريتها مهددة وهي مشغولة من العوائل وهم بحاجة إلى بدل إيواء ولا قدرة للبلدية على التصدي لملف بهذا الحجم».
ويتابع «بموجب قرار وزير الثقافة رقم 1096/2015 يمنع على البلديات إعطاء أي رخصة ترميم أو تهديم الأبنية القديمة قبل إحالة الطلبات إلى المديرية العامة للآثار فورا وإبداء الرأي فيها، مما يعيق أعمال الترميم ويعني أن هذه الإشكالية تستوجب تدخل الحكومة اللبنانية لتشعب الملف وعدم إمكانية تصدي البلدية لهذه الاعمال، وأن توضع خطة حكومية كاملة الأمس قبل اليوم تأخذ بعين الإعتبار تأهيل هذه المباني وتأمين أماكن إيواء للسكان». أما عن مسؤولية البلدية فيشدد صبح على أن «دور البلدية يكون في حماية السلامة العامة، بأن تقوم مصلحة الهندسة بالكشف الدوري على الأبنية وتبيان أوضاعها، وفي حال الخطر إنذار أصحاب المباني بإخلائها من أجل هدمها أو ترميمها عملًا بقانون البناء وبالتنسيق مع المديرية العامة للآثار. وعملًا بنص المادة 74 الفقرة 13، يتولى رئيس البلدية هدم المباني المتداعية وإصلاحها على نفقة أصحابها وفقًا لقانون أحكام البناء.
وعليه إذا كان رئيس البلدية علم بهذا المبنى المتصدع وهناك شكوى ولم يقم بالإجراءات اللازمة فتكون مسؤوليته تقصيرية، دون أن ننسى بأن هناك موجباً لا يحتمل التاجيل على عاتق الحكومة والدوائر المعنية من بلدية وداخلية ومحافظ ونقابات المجتمع المدني بضرورة التحرك وبالسرعة القصوى للتصدي لهذا الملف ولخطر الإنهيارات في المدينة القديمة في طرابلس وبالمناطق الشعبية في ما خص الأبنية المتصدعة».
إلى جانب مبنى ضهر المغر المنهار ثمة عشرات المباني في ضهر المغر وغيرها من المناطق الطرابلسية جميعها متصدّعة وآيلة للسقوط في أي لحظة، وحتى لا تقع الكارثة مرة أخرى فإن طرابلس القديمة بحاجة إلى خطة إنقاذ حكومية سريعة وعاجلة، لإنقاذ الأرواح البريئة. الناس صرخت واستنجدت فهل من يسمع ويجيب؟.