اللبنانيّون يأكلون السموم…

كتب نادر حجاز في موقع mtv:

في ظل الأزمة الاقتصادية التي باتت تتحكم بكل تفاصيل حياة اللبنانيين، تدخل الى الأسواق مواد غذائية كثيرة مجهولة المصدر وبجودة سيئة وأسماء “غريبة عجيبة”، هذا إضافة الى الضرر الكبير الذي يلحق بالغذاء لا سيما اللحوم والألبان والأجبان بسبب انقطاع الكهرباء.

وكثرت في الفترة الأخيرة الأخبار عن حالات تسمم وعن مواد منتهية الصلاحية من طحين ولحوم وسواها، الأمر الذي يطرح السؤال عن دور الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء التي انبثقت عن قانون سلامة الغذاء الذي أقرّ على اثر اطلاق حملة سلامة الغذاء ما بين العامين 2015 و2017 من قبل وزير الصحة السابق وائل أبو فاعور.
استكملت وزارة الصحة متابعة هذا الملف لكن بوتيرة أقلّ مما كانت عليه أثناء إطلاق الحملة، ومن دون صرف اهتمام كبير لتعزيز الامكانات البشرية وفريق المراقبين، لتأتي الأزمة التي تمر بها البلاد وتفرض أمراً واقعاً جديداً وأولويات جديدة ليست سلامة الغذاء في طليعتها للأسف، وإن كانت مصالح الصحة في المناطق تعمل باللحم الحيّ، في ظل غلاء المحروقات وانعدام القدرة الشرائية لرواتب الموظفين، لمتابعة الحالات التي يُكشف عنها، كما حصل في البقاع هذا الاسبوع وإقفال 4 ملاحم.

الواقع تغيّر، فالمداهمات اليومية التي كان يقوم بها المراقبون الصحيون شبه غائبة اليوم تحت وقع السعر الخيالي لصفيحة البنزين واعتكاف الموظفين والاضرابات المتكررة، بينما تجار الموت يسرحون ويمرحون في الأسواق، والمقصود طبعاً هؤلاء الذي ينشرون في المحال التجارية سمومهم من ماركات لم يسمع بها اللبنانيون يوماً، والأغرب أنها تباع بأسعار متدنية جداً تفضح سوء جودتها. ومثال بسيط على هذا النوع من السموم أنواع “المرتديلا”، القياس الكبير، والتي تباع بحوالى 20 ألف ليرة بينما أنواع أخرى معروفة باتت تتخطى الـ100 ألف ليرة.

أبو فاعور، الذي كان نجم حملة سلامة الغذاء ومبتكرها، علّق على التفلّت الحاصل عبر موقع mtv بالقول: “قمنا كحزب بكل ما يجب علينا القيام به في وزارة الصحة ووضعنا الاصبع على الجرح، وواجهنا الحيتان بكل حزم وصرامة، من حيتان التجار الى حيتان المستوردين الى حيتان الداعمين لهم من نافذين ومتسلّطين. وقبل أن نترك الوزارة كحزب قمت بكل الجهد اللازم للدفع نحو إقرار قانون سلامة الغذاء في مجلس النواب وهذا ما حصل، وذلك بهدف مأسسة الحملة وكي لا تكون موجة عابرة وتنتهي”، مضيفاً “لكن للأسف تأخّرت كثيراً المراسيم التطبيقية وتشكيل الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء، وفي هذا الوقت وقبل بدء الأزمة الاقتصادية الحادّة التي يعيشها البلد لم تكن سلامة غذاء اللبنانيين ذات أهمية كبيرة لدى الوزراء المتعاقبين الا بحدود العمل الروتيني اليومي بعدما كنا قد حوّلناها الى أولوية قصوى بعدما اكتشفنا حجم الفضائح والجرائم التي ترتكب بحق صحة اللبنانيين من دون رحمة أو شفقة”.

وتخوّف أبو فاعور من أن تكون صحة اللبنانيين عادت الى دائرة الخطر، محذّراً من عوائق هذا التراخي السلبية بفعل تمادي ارتكاب هذه الجريمة، مطالباً الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء بتفعيل عملها كما وزارة الصحة من خلال الاستعانة بالجهات الدولية المانحة لتعزيز امكانيات الفرق الصحية وتطويرها وزيادة عديدها، كما التعاون مع الجامعة اللبنانية، مشدداً على ضرورة إنشاء المختبر المركزي رغم الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، فصحة الناس تبقى الأهم.
وتابع أبو فاعور: “أستغرب دهشة بعض المسؤولين في الحديث عن أسباب الصفيرة فهل تسنى لأحد منهم إلقاء نظرة على نتائج فحوصات المياه الكارثية في آبار المياه وعدد كبير من المدارس الرسمية وحتى بعض المستشفيات بحيث اننا نسقي أطفالنا المرض”.

الأزمة المالية للدولة اللبنانية كبيرة، وهذا أمر معروف، وهموم وزارة الصحة اليوم ربما تكون لتأمين الدواء والاستشفاء بالحد الأدنى، إلا ان ذلك لا يعني أن تصبح الأسواق اللبنانية مشرّعة أمام كل هذه المخاطر، ويجب إعادة هذا الملف الى الواجهة من جديد وبزخم أكبر لأن غذاء اللبنانيين للأسف غير مطابق.