الأزمة اللبنانيّة ترفعُ من نسب الطلاق

تستشرس الأزمة الإقتصادية وتعصف بقوّة في المجتمع اللبناني، ولم يحن وقت انحسار العاصفة بعد، واللبنانيون يختبئون تحت مظلّات هشّة، علّهم يحمون أنفسهم ويتابعون الرحلة.فالإنهيار الإقتصادي لم يؤثّر سلباً اقتصادياً فقط، بل جرفت سيوله الأوضاع بالإجمال الى أن برزت المشاكل الإجتماعية وانعكست التداعيات المالية على أوضاع العائلات، حتى برزت النسب المرتفعة من التفكك الأسري والطلاق.

 

 

نسفت الأوضاع المالية المتردية أركان المجتمع اللبناني، حتى بدت شظاياها تطال الأسرة، فلم يكف الأُسر اللبنانية التخبّط خلال عامين بين حجر صحيّ جراء جائحة كورونا من جهة، والأزمة الإقتصادية التي بدأت إثر “ثورة 17 تشرين 2019 “، فهذه العوامل عكست بسلبيتها على الأوضاع العائلية ما تُرجم على أرض الواقع بالطلاق.

 

تحت خانة تداعيات الأزمة الاقتصادية وكورونا على لبنان، نشرت “الدولية للمعلومات” دراسة أظهرت فيها تراجع الزواج والطلاق والولادات وارتفاع الوفيات. وعن الطلاق أظهرت الأرقام أنّ تراجعاً ملموساً بأعداد عقود الزواج والطلاق المسجّلة رسمياً ، حيث سجّلت عقود الزواج تراجعاً بنسبة 7.2% وعقود الطلاق بنسبة 3%.

 

في قراءة الأرقام، يُشير الباحث الإجتماعي زياد زين الدين لـ “الديار” الى أنّ “تفاوتاً واضحاً يبدو بين الأرقام والأوضاع العائلية، فمشاكل الإنفصال تتزايد فيما الضائقة المالية تقف عثرة أمام التقدّم بقضايا الطلاق، وما هي الأرقام التي نشرها تقرير الدولية للمعلومات إلّا دليلاً واضحاً على صدور أحكام الطلاق في القضايا المقدّمة مُسبقاً منذ 5 سنوات وأكثر.”ويُضيف: “تتفشّى المشاكل العائلية جرّاء تفاقم الأوضاع الإقتصادية ممّا ينعكس سلباً على الصحّة النفسية لدى الزوج والزوجة والتراكمات الإجتماعية والمالية التي تتصدّر يومياتهم.” ويتوقّع زين الدين ارتفاع النسب مع تفشّي الوباء المالي في السنتين المُقبلتين.

 

من وجهة نظر الطبّ النفسي، أثنت المعالجة النفسية إلسا مرعي على دور الأطفال في الحدّ من مشاكل الطلاق الرسمي حيث قالت لـ “الديار”: “لا شك بأنّ الأزمة الإقتصادية تؤثّر بشكل كبير على الأوضاع العائلية، فبتنا نشهد على العديد من الخلافات حالات الإنفصال بين الأهل بالرغم من أنّ حالات كثيرة تشهد رقوداً عائلياً حين يُفكّر الأهل بالأطفال”.

 

وأكملت: “لم يعد باستطاعة الأهل تحمّل هذا الكمّ الهائل من العقبات على كافّة الأصعدة، فبات الأب يشعر العجز تجاه عائلته ومتطلّبات الحياة والأمّ التي أصبحت دائماً عاملة ومنتجة داخل وخارج المنزل شعرت بالتعب، فكان مصير كل من فقد القدرة على التحمّل، الطلاق أو الإنفصال”.

 

وعن الكلام المتداول حول ارتفاع النسب، أكّدت مرعي أنّه “إذا سارت الأوضاع بالاتجاه ذاته وبوتيرة أسرع، سترتفع الأرقام حتماً، والأيام المقبلة كفيلة بالتأكيد”.

 

من جهتّها، دقت المحاكم الشرعية والابرشيات الكنسية ناقوس الخطر بعد صدور الأرقام المرتفعة نسبة الطلاق التي وصلت الى 22% بسبب جائحة “كورونا وما ترتّب عنها من حجر وبطالة، والأزمة الاقتصادية وما نتج عنها عدم استقرار اجتماعي، فأظهرت المشاكل الزوجية ارقاماً مخيفة، حيث يسجل ارتفاع نسبة المشاكل الى المئة في المئة عما كانت عليه في الأعوام السابقة.

 

ستة عشر عاماً، عاش خلالها سليم الموظّف في إحدى الإدارات الرسمية، مع زوجته التي رُزق منها بطفلين، الأوّل عمره 10 سنوات والثاني 7 سنوات، كانت الأوضاع الإقتصادية الراهنة كفيلة بفضّ عقد الزواج والتوجّه الى المحكمة، حيث قدّمت زوجته دعوة طلاق أمام المحكمة الروحية طالبةً الهجر!

 

يقول سليم لـ “الديار”: “تقدمت زوجتي بطلب الى المحكمة لأنها لم تعد تتحمّل عصبيتي المفرطة وغضبي الدائم بسبب عجز مدخولي المالي والراتب الذي أتقاضاه من أجل تأمين حاجّيات المنزل الأساسية ومتطلبات أطفالي، فبات وضعي النفسي يُشكّل ضغطاً إضافياً عليها وعلى الجوّ العام في المنزل، الى أن وجدت نفسها غير قادرة على تحمّل وضع مادّي دقيق ومشاكل شخصية في المنزل”.

 

لبنان الداخل في نفق الظلام، فقد مقوّماته الإجتماعية كلّها، حتى التفكك الأسري بدأت معالمه تظهر، فهل ستشهد الأيام المقبلة تأزّماً وارتفاعاً أكبر بالأرقام وكيف ستنعكس الصورة على المستقبل الإجتماعي لجهة الأجيال التي تنمو في قعر الأزمة والمشاكل

– الديار