ثلاثون عاما على الطائف…

ثلاثون عاما مر على الطائف واللبنانيون ما زالوا ينتظرون التغيير، الوعود تتكرر ولا شيء يتحقق منها، البيانات الوزارية تتالى وكأن شيئا لم يذكر، بالمقابل الاصولية الطائفية والمذهبية تزدهر، الفساد السياسي والاداري يتصاعد، الانماء غير المتوازن يزداد. لقد تجذرت الطائفية حتى اصبحت في حياتنا وسلوكنا اليومي، واذا لم يتم تدارك الوضع فيأتي يوم يصبح فيه المواطن مجرد بوق ينعق بالطائفية حتى يحصّل قوته اليومي.
ثلاثون عاما مر على الطائف، حصلت أحداث عالمية كثيرة، تحطم جدار برلين، واللبنانيون حتى الان لم يستطيعوا كسر الجدار الفاصل. متى نستطيع ان نبني مستقبل لبنان الحديث، على اسس احترام الاخر وتقبله، ومد جسور الحوار والتواصل معه حتى نستطيع يدا بيد ان نجعل لبنان كما أردناه منارة للشعوب الطامحة للحرية والديمقراطية.
ثلاثون عاما مر على الطائف، لبنان لا زال يدور في فلكه الخاص، لاعتبارات خاصة ولظروف استثنائية، هو ذاته، ينقسم الى كنتونات طائفية تكاد تفصل بينها اسوار حديدية وبين الواحدة والاخرى يوجد كمّ ثقافي وحضاري هائل، لم يتعلم اللبنانيون من التجارب السابقة التي أنهكت البلد وكبدته خسائر مادية وبشرية جسيمة.
ثلاثون عاما مر على الطائف، ولبنان لا زال يغرق في فخ التجاذبات السياسية والفتن الطائفية والمذهبية، لا زال اغنية او قصيدة يتغنى بها الشعراء واذا امعنا النظر في الوضع الداخلي اللبناني، نرى ان لبنان يتجه من سيء الى أسوأ، نجده ضعيفا مقسما مشرذما ومشتتا في بحر هائج، وكل تيار سياسي يحاول جذبه لمصلحته الخاصة، مشهد لبنان الحديث لا تزال ترتسم في مخيلة كل واحد منا. كل قد رسم للبنان خارطة سياسية، نظروا اليه من زاوية ضيقة فمنهم من يراه بلون عربي ومنهم من يراه بصبغة غربية، فليتركوا التطور الطبيعي لهذا البلد وارادة ابنائه تحدد سياسيته واستراتيجيته الخاصة وفقا للمصلحة الوطنية وبمنأى عن التدخل الخارجي حتى يستطيع استعادة موقعه وبسط نفوذه كبلد سيادي في المنطقة.
أين لبنان الحديث من كل التطورات الجذرية والمفصلية التي تجري في المنطقة، أين لبنان من تداعيات ربيع الثورات العربية، لا زال تائها في زواريب الحرب الأهلية التي قطعت أوصاله وشرذمت أبناءه وفككت نسيجه الاجتماعي، ان الخلل الذي أحدثته الحرب الاهلية لا زالت تداعياته تهز المجتمع ولا زالت اثاره باقية كندبة او بصمة عار في تاريخ لبنان الحديث.
هذا التصدع والاهتراء الذي حصل لم يستطع أبناء الجيل الحديث معالجته وردم الفجوة الحاصلة والتباين الثقافي الكبير بين ابناء الوطن الواحد، لم ولن يستطيع أحد ردمها ما لم نقضي على مرض متجذر في النفوس المريضة والحاقدة الا وهو الطائفية. لقد أصبحت الوحدة الوطنية والمحافظة على السلم الاهلي مجرد شعارات نكررها من وقت الى اخر في كل مناسبة وطنية.
اليوم في ظل الواقع والتطورات التي تعصف بلبنان من انهيار اقتصادي وعجز مؤسساتي ووجود طبقة سياسية غير مسؤولة متخاذلة مرتهنة لاجندات خارجية، تتحكم في مصير اللبنانيين هل سيستطيع اللبنانيون تجاوز هذه المحنة الوجودية المصيرية التي تهدد الكيان اللبناني.
هل سيستطيع اللبنانيون القيام بثورة وطنية حقيقية متجاوزين خلافاتهم السياسية والحزبية وانتماءاتهم الطائفية والمذهبية وتغيير النظام السياسي القائم الذي اوصل لبنان للانهيار، ثورة في سبيل قيام لبنان الحديث، لبنان وطن سيد حر مستقل ذات سيادة.
الصحافية نسرين شعيب ميدان برس