كلّما اقترب للجيش عيد، شعرنا مع العزة بفقر الكلمات، وعجز كل اللغات، فإن وطنا فيه الشرذمة قانونا وعرفا، ويحميه جيش دينه الوحدة، وعقيدته العداء للدولة اللقيطة، جدير بأن تكون كلّ الأيام عيده، وكلنا جنوده، وكلنا للوطن .
قد يكون هذا العيد هو الأسوأ على السلك العسكري والأمني لأن معاناة الجنود في هذه الأيام العصيبة باتت مضاعفة، مقابل مبلغ يتقاضونه في نهاية الشهر لا يشتري لهم الغذاء ليوم واحد, فكيف بإمكان هؤلاء الجنود الصمود في ظل زحمة الكوارث الاقتصادية التي تلقي بعاتقهاعلى وطننا وأرضنا؟
صحيح أن الجندي هو حامي الأرض ومدافع عنها ولكّن مقابل هذا هو ربّ عائلة وما يتوجّب عليه هو عينه الذي يتوجّب على أي مواطن في أيّ وظيفة عادية، لذا فمن الصعب أن يستهان بهؤلاء الجنود وأن تهدر حقوقهم بسبب أنظمة فاسدة، وسياسات بائسة وأحزاب وتيارات وطوائف وأديان … فالمؤسسة العسكرية هي الوحيدة التي لا تعترف بالعنصرية والطائفية لأن الجميع فيها تربطهم صلة الدمّ المقاوم وهي أثبتت حتى الساعة بأنها مؤسسة لا يعنيها المال ولا تغرّها الزعامات لأنها أصيلة وثابتة كالأرض .
في الوقت الذي ننام فيه ونحلم بوطن جميل, يسهر الجيش من أجل أمننا وسلامتنا، نحن ندعم وطننا بالكلام والهتافات، ولكن الجيش يسير في قلب المعركة ويقدّم أرواح أبطاله قرابين وأضاحٍ من أجل انتصار الوطن، فكم من جندي مات كي نحيا نحن، وكم من حرب خاضوها كي يعيدوا لنا مجدنا وعزّتنا وكرامتنا، كيف نكرمّهم اليوم وهم عاجزون عن شراء بذّةٍ عسكرية ثانية ؟ كيف نقول لهم كل عام وأنتم بخير وهم ينغمسون في مستنقع من صنع دولتنا العتيدة ؟ نشعر بالبؤس كلما نظرنا إلى وجه جنديّ يقف طيلة النهار تحت أشعّة الشمس دون أي مقابل فقط لأنّه أخذ على عاتقه عهدا بالدفاع عن أرضه وعرضه.
في بقعة اليأس التي نحياها ما زال الجيش اللبناني يرسم طريقا من أمل وينتظر بعيون المتفائل الغد الجميل الذي نحلم به جميعا, جميعنا للوطن، ولكن الجيش فهو للوطن كي يحيا ونبقى جميعا للوطن، نحن نكتب أمنياتنا بالحبر ولكنه يحققها لنا بدمائه وارواحه، قد تغيب هذا العام مراسم الاحتفالات التي اعتدنا على رؤيتها مع كل أول آب من كل عام بسبب الظروف الاقتصادية وجائحة كورونا التي طال موعد انتهائها لا بل نحن نتجّه إلى الأيام الأصعب (كورونيا ) ربما الجنود سيتلقون الأمر بشكل عادي ولكن الذين تركوا جامعاتهم والتجأوا إلى ذلك السلك كي يكونوا ضباطا وأصحاب رتب كيف سيخسرون لحظة الاحتفال بتخرّجهم ؟ كيف سيستلمون هذا السيف الذي سيرافقهم طيلة أيام حياتهم دون أي احتفال ولو حتى رمزي ؟
نأسف كل الأسف بإلغاء مراسم هذا العيد الوطني الذي نبارك فيه لتلك القبعة العسكرية لأنها استطاعت أن تثبت بأن هذا السلك هو الوحيد القادر على الصمود والتحدّي دون أطماع ومصالح فقط من أجل الشرف والتضحية والوفاء، فكل عام وجنود لبنان بألف خير .
ليندا حمورة خاص ميدان برس .