كتب النائب ابراهيم كنعان في “النهار”:
مرّت ثلاث سنوات على الانتخابات النيابيّة الأخيرة. ويفصلنا عامٌ واحدٌ عن الانتخابات المقبلة. على النائب أن يَسأل وأن يُسأل، عن النجاحات والإخفاقات، عمّا أنجز وما لم يتمكّن من تحقيقه. عمّا وعد وعمّا نفّذ…
كانت انطلاقة المجلس النيابي الحالي جيّدة من حيث الحماسة في التشريع والتعاون بين الكتل، وإن اختلفت في السياسة وعناوينها. نأى بعض النوّاب، مراتٍ كثيرة، بالمجلس عن الانقسامات الحادّة وظلّوا يتعاونون ويتفاعلون ويلتقون، علناً وسرّاً، ولي في هذه المحطات أمثلة كثيرة أجدها نقاطاً بِيضاً في مسيرتي النيابيّة. مصالح الناس، مَن انتخبنا ومَن لم يفعل، وحاجات البلد لها أولويّة تفوق خلافاتنا السياسيّة.
لكنّ حماسة البدايات تراجعت عند البعض لاحقاً، ولو أنّ المجلس النيابي ظلّ، بين المؤسسات الأخرى، كواحةٍ في صحراء، حتى أنّ كورونا عطّل عمله من دون أن يشلّه تماماً، فاستُعين باللقاءات الالكترونيّة مرّةً وبلقاءات التباعد مرّات.
المشكلة في لبنان ليست في المجلس النيابي، بل في السلطة التنفيذيّة وفي تركيبة النظام. التشريعات جيّدة، غالباً. التنفيذ غائب، غالباً أيضاً. ثمّ إنّ حكومات الوفاق الوطني تضرب أداء المجلس النيابي في مقتل، فيصبح النائب مدعوّاً الى مراقبة ومحاسبة “رفيقٍ” أو “حليف” له في الحكومة.
وإذا كنت أفتخر بأنّني، خصوصاً من خلال ترؤسي لجنة المال والموازنة، حرصت على الفصل بين موقعي السياسي ودوري النيابي، وقد برز ذلك مرّات في الإعلام، فإنّني أقرّ بأنّ حكومات الوفاق الوطني تضرب ديموقراطيّة النظام التي تحتّم وجود موالاة ومعارضة تنطلقان من الأكثريّة والأقليّة في المجلس، وإلا فإنّ فاعليّة اقتراع الناس تصبح منقوصة.
ولكن، في الأحوال كلّها، يبقى العمل النيابي “متعتي” السياسيّة الأولى، وملعبي المفضّل. الأكثر جذباً فيه هو هذا المزج بين البقاء على تماسٍ يوميّ مع الناس، مصدر السلطات كلّها، ويخطئ مَن يظنّ أنّ هذه العبارة مجرّد شعار، وبين صناعةِ حاضر الوطن ومستقبله، عبر تشريعاتٍ وموازناتٍ ومراقبة ومحاسبة.
ولعلّ النجاح في سماع صوت الناس وتلبية معظم حاجاتهم من خدمات، يبقى أضمن من النجاح في الثانية، في ظلّ العقبات الكثيرة والتركيبة اللبنانيّة العجيبة التي خرقتُها مرّات وفشلتُ في خرقها مرّات أخرى، وإن نلتُ شرف المحاولات المتكرّرة.
وليس العمل النيابي مجرّد تكليف بمهمّة يتولّاها النائب وينفّذها ثمّ يمضي. هي ممارسة يوميّة. هي تفاصيل كثيرة. هي ثقة مُنحت من قِبل الناس وعليك أن تكون مستحقّاً لها. عليك أن تضيف الى “يا رضا الله ورضا الوالدين”، و”رضا الناس” أيضاً، ولا أقول الناخبين، فالنائب يجب أن يعمل للجميع. للمواطن والوطن، لا لحزبٍ ولا لفئةٍ ولا، حصراً، لمن انتخبه.
ومع مرور ثلاث سنوات على ولاية المجلس النيابي الحالي، أقف، كما في كلّ يومٍ، أمام محكمة الناس، وأدرك، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، حجم وجعهم ويأسهم، وقد سعيت، بقدر ما أستطيع، الى أن أخفّف عنهم عبر مبادراتٍ أعوّض فيها عن عجز مؤسّسات الدولة أو تقصيرها.
ومع مرور ثلاث سنوات، أعاهد بالاستمرار، بالحماسة والإرادة نفسيهما، من أجل تحقيق خروقاتٍ في جدار الإهمال الرسمي، ولو كنت أتمنّى أن نحطّم هذا الجدار.
وسأواصل الوقوف الى جانب الناس في السعي الى تحقيق الوطن الذي يريدون، ولو كنت أتمنّى أن تتجاوز الكتل كلّها خلافاتها وتتوحّد حول رؤية لبناء هذا الوطن.
وسأكون، بعد عامٍ من اليوم، واقفاً من جديد طالباً من الناس تجديد الثقة في انتخاباتٍ نيابيّة نرفض أيّ محاولة لتأجيلها.
حذارِ تأجيل الانتخابات. هو السقوط الكبير.