كتب كمال سليم في “الاخبار”:
استمرت، أمس، حملة رفع الأسماك النافقة من بحيرة القرعون من قبل فرق المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، بمؤازرة وحدات من الجيش، وذلك بعد استكمال المسح الميداني وتقييم التنوّع البيولوجي في البحيرة. وقد بلغ مجموع الأسماك النافقة التي تم رفعها أكثر من 120 طناً، من نوع الكارب (Cyprinus Carpio)، ثبتت إصابتها بمرض وبائي وفيروسي خطير قابل للانتقال، فيما تزايدت المخاوف من نجاح مافيات في نقل كميات من الأسماك النافقة لبيعها للاستهلاك البشري، بعدما ضبط مراقبو مصلحة المسالخ في بلدية بيروت، كمية من أسماك الكارب تفوح منها روائح كريهة، في السوق الشعبي في صبرا.
هناك تاريخ طويل من حالات نفوق الأسماك في بحيرة القرعون، لعل أخطرها كانت في 16 تموز 2016، عندما استفاق جيران البحيرة على نفوق أطنان من الأسماك. وقد باشر المجلس الوطني للبحوث العلمية، يومها، دراسة الوضع البيئي وإجراء التحاليل المكثفة، كيميائية وإشعاعية وبيولوجية، وخلص إلى أن السبب الرئيس لتلك الكارثة هو نضوب الأوكسجين في أعماق البحيرة، ما سبّب حالات اختناق للأسماك. ومن المعروف أن البحيرة، في ذلك الوقت، كان يجتاحها «بلوم» من السيانوبكتيريا الذي يفرز سموماً في المحيط المائي خصوصاً مع الارتفاع الحادّ لدرجة الحرارة إلى 32 درجة.
إذاً، الكارثة الحالية التي نزلت بالبحيرة، بنفوق أكثر من 100 طن من سمك الكارب (الشبوط)، ليست مفاجئة، نظراً إلى تزايد الضغوطات البيئية على هذا المرفق، من تلوث كثيف لسنوات متعددة بسبب تدفق الملوثات العضوية والمعدنية إليه وتراكمها فيه، ما تسبب بمزيد من التدهور البيئي، ونمو أنواع مجهرية من السيانوبكتيري تفرز سموماً، وتقضي على التنوع البيولوجي، وتحوّل السد من مرحلة التشبع الغذائي (eutrophication) خلال فصل الصيف إلى المرحلة الأقصى، أو ما يسمى hypereutrophication خلال فصل الخريف.
نتيجة دراسة عينات من المياه المشبعة بالسيانوبكتيريا بعد نفوق الأسماك، في 20 نيسان الماضي، وبعد كشف «جمعية حماية الطبيعة» على الأسماك النافقة، تبين أن البلوم الحالي هو عبارة عن تكاثر كثيف لنوع Aphanizomenon ovalisporum. وهذا النوع استوطن البحيرة منذ عام 2008 وينتشر عادة في فصل الربيع، وهو يفرز نوعاً من السموم (Cylindrospermopsin) تتسبّب بأضرار لا تحصى على البشر، منها الخلل في وظيفة الكبد والتسمم والقيء والحساسية. كذلك، رصدنا نوعاً جديداً يتكاثر في السد حالياً، هو Anabaena circinalis الذي يفرز الـ Anatoxin-a، ويُعتبر الأكثر سمّية بين أنواع السيانوبكتيريا، ويتسبب بشلل وتوقف في التنفس ثم موت للأحياء المائية من أسماك أو صدفيات.
هناك عوامل عدة تتسبب في نفوق الأسماك، وهذه الظاهرة تحصل في كثير من المسطحات والأنهار في العالم. ومن أهم الأسباب:
– نضوب تركيز الأوكسجين في القاع بموت الطحالب والسيانوبكتيريا التي تشكل النباتات الطافية على سطح المياه، تترسب كتلة بيولوجية كبيرة في الأعماق تتفكك عن طريق البكتيريا اللاهوائية، فتستهلك كميات الأوكسجين المتاحة ما يؤدي إلى نفادها، فتقفز الأسماك فوق سطح المياه ما يؤدي إلى اختناقها. وغالباً ما يحصل ذلك عند بزوغ الفجر، فتنفق الأسماك الكبيرة بشكل أساس، فيما قد تنجو الأسماك الصغيرة لقدرتها على السباحة على سطح المياه. ومن نتائج تفكك المواد العضوية الميتة انبعاث غازات سامة مثل الأمونيا وكبريتيد الهيدروجين والميثان.
– اجتياح «بلوم» كثيف من السيانوبكتيريا الذي يفرز في بعض الأحيان سموماً في المحيط المائي وذلك في ظروف فيزيولوجية محدّدة، كما عند الارتفاع السريع والمفاجئ لحرارة المياه.
– الارتفاع في نسب غاز الأمونيا الذي يعتبر من أكثر الغازات سمية على الأسماك.
– الحرارة العالية غير الطبيعية، ارتفاعاً أو انخفاضاً في وقت قصير، في فترة التزاوج. ومن المعروف أن الحرارة عامل أساسي للحيوانات ذات الدم البارد، وعدم استقرارها يسبّب وهناً وضعفاً، خصوصاً أن الأسماك تتجمع في هذه الفترة فتصبح عرضة لالتقاط الأمراض البكتيرية مثل Aeromonas hydrophila، واحتمال تلازمها مع فيروس فتاكRhabdovirus carpio.
كل هذه العوامل يمكن أن تشكل، مجتمعة، أسباباً لنفوق الأسماك. لذلك، فالاعتقاد المرجّح أن النفوق الحالي لأسماك الكارب مردّه العوامل التي أشرنا إليها، خصوصاً أن تشريح بعض الأسماك النافقة بيّن أن لا صحة لنظرية أن الأسماك قضت اختناقاً. إذ إن خراشيمها كانت لا تزال حمراء وهو دليل على التنفس الطبيعي.
وتتحمل سمكة الكارب التغيرات الفجائية لدرجة الحرارة وقدراً مرتفعاً من التلوث بالمواد العضوية والسموم، ويمكنها التعايش مع الظروف البيئية الحادة، ومنها حدوث «بلوم» كثيف من السيانوبكتيريا. ودلت الاختبارات الحديثة إلى أن هذه السمكة، في حالة التواجد في القاع شتاء، يمكن أن تبقى على قيد الحياة بتركيز منخفض جداً من الأوكسجين أو انعدامه التام، وهي تدخل في تحولات بيولوجية دقيقة، ويمكنها البقاء كذلك لأسابيع حتى تغير الظروف البيئية المحيطة.