ترسيم الحدود يعبّد الطريق لتسوية حكومية وكسر عزلة لبنان

كتب منير الربيع في “المدن”:

تتجه الأنظار إلى ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية. تولي الولايات المتحدة الأميركية اهتماماً بهذا الملف، الذي يشكل مدخلاً للاهتمام بكل الوضع اللبناني. منذ زيارة وكيل وزارة الخارجية الأميركية، ديفيد هيل، بناء على طلب وتوجيه من وزير الخارجية أنطوني بلينكن، تبيّن أن واشنطن تستعيد اهتمامها بلبنان، وذلك من خلال مسارين. مسار الترسيم ومسار إنجاز “تسوية حكومية”. ما يعني إسقاط الشروط التي كانت مفروضة سابقاً أيام إدارة دونالد ترامب، والتي حالت دون القدرة على تشكيل الحكومة، بسبب الموقف من حزب الله. فبمجرد أن تدعو واشنطن إلى “تسوية” يعني أنها سترتكز على تفاهم مع الحزب أو سيكون مشاركاً فيها. وهذا بحدّ ذاته تطور يأتي على إيقاع مفاوضات فيينا.

خطوط التفاوض
حكومياً لا يزال المسار معقدّاً بسبب الصراعات الداخلية. لذلك، فإن الملف موضوع جانباً في هذه المرحلة، بينما يتقدّم ملف الترسيم. الوفد الأميركي المشارك في المفاوضات يصل الإثنين. ومن المفترض أن يعقد لقاءات مع الوفد اللبناني، ومع رئيس الجمهورية ميشال عون.

من طبيعة التفاوض أن يرفع كل طرف سقف مطالبه وشروطه. لبنان فعل ذلك في الأساس من خلال الخرائط والوثائق التي يمتلكها، وطالب بموجبها بتوسيع حدوده انطلاقاً ليس من الخطّ 23 بل من الخط 29، ما يمنحه زيادة مساحة 1430 كلم مربع عن ما هو معروض. هذا الخط اعترضت عليه واشنطن وتل أبيب، وأوقفتا المفاوضات التي ستتجدد الثلاثاء. حاول الإسرائيلي الردّ على الطرح اللبناني بإدعاء وصول حدوده إلى الخطّ 310 الذي يصل إلى مشارف صيدا، لكن الوفد اللبناني يستهزئ بهذا الطرح، ويعتبره غير واقعي. ويبدو واثقاً من قدرته على دحضه بالوثائق والخرائط، ووفق القانون الدولي.

البحث عن صيغة مشتركة
في المقابل، يعتبر الجانب الأميركي أن إسرائيل تسبق لبنان بفترة كبيرة في عمليات التنقيب والاستكشاف. وقد أصبحت على مشارف استخراج النفط. وهذه تعتبر نقطة ضعف لبنان، سيحاول الإسرائيليون استغلالها لإضعاف الموقف اللبناني أكثر، واستعجاله لحماية حقوقه. وبالتالي، اضطراره لتقديم تنازلات. سياسياً، التنازل مطروح. خصوصاً بعد اقتراح التراجع عن الخطّ 29 لصالح خطّ آخر. الوفد الأميركي سيحاول إقناع الوفد اللبناني بصيغة مُرْضِية لإنجاح المفاوضات. وتؤكد المعلومات أن واشنطن لا تقبل اللغط الحاصل بالموقف اللبناني، مستثمرة بالتجاذب السياسي حول آلية التفاوض. وهي تعتبر أنه يضعف لبنان وموقعه على طاولة المفاوضات. وهذا ما سيتم البحث حوله في اللقاءات التي سيعقدها الوفد الأميركي مع رئيس الجمهورية والوفد اللبناني المفاوض، قبل انعقاد جلسة التفاوض. سيحاول الوفد الأميركي الوصول إلى صيغة مشتركة، تؤدي إلى إنجاح المفاوضات، خصوصاً أن الجميع يستعجل إنجاحها.

شركة أميركية لتوزيع الأرباح
في موازاة ذلك، لا يمكن إغفال أن أي نجاح لعملية التفاوض سيكون لها انعكاس سياسي على الداخل اللبناني. وهذا قد يدفع إلى الاتفاق على تشكيل حكومة حينها، تكون قادرة على مواكبة هذا الاتفاق، الذي قد يشكل مدخلاً لتخفيف حدّة الضغوط على لبنان، ويفتح الطريق أمام الحصول على مساعدات.

هنا أيضاً تبرز فكرة إنشاء شركة كبرى أميركية، تعمل على شراء الإنتاج النفطي من المنطقة الحدودية، وتعمل على توزيع الأرباح وفقاً لنسب يتم الاتفاق عليها، على أن تكون هذه الصيغة الملائمة لتجاوز أي إشكالات قد تنجم لاحقاً. في هذا السياق، لا يمكن إغفال تطور أساسي حصل في الفترة السابقة، وهو دخول دولة الإمارات على خطّ الاستثمار في آبار النفط الإسرائيلية المحاذية لحدود لبنان. هذا الأمر سيؤدي إلى لعب دور أساسي للإمارات في تلك المنطقة، وفي لبنان أيضاً. فالإمارات عضو مراقب في تحالف شرق المتوسط للطاقة، وأصبحت على شراكة قوية مع شركة شيفرون الأميركية، وهي إحدى أكبر شركات النفط في العالم، والتي تستثمر بالحقول الإسرائيلية.