لم تكن الليرة اللبنانية يوما صاحبة سيادة وطنية قوية، تماما كتلك الطواقم السياسية التي تحكم لبنان، فمع كل حقبة تاريخية انهيار جديد، ومع كل انهيار تفقد عملتنا بعضا من فئاتها ورموزها فبات الخوف من فقدانها نهائيا يلوح في الأفق .
منذ فجر التاريخ وهذا البلد الصغير لعبة بين أيادي البشر؛ فأثناء الحكم العثماني كانت الليرة العثمانية هي المتداولة على الساحة اللبنانية، وبعد انهيار تلك الدولة، وإذ لم يكن للبنان عملة خاصة به، اعتمد الجنيه المصري حتى الانتداب الفرنسي حيث استبدل بالليرة السورية التي كانت ترتبط ارتباطا وثيقا بالفرنك الفرنسي وكانت هذه العملة موحدة بين لبنان وسوريا، وكأن قدرنا بأن نبقى دوما روحين في جسد واحد مع الشقيقة سوريا .
انفصلت الليرة اللبنانية عن شقيقتها السورية في عام 1939إلا أنها ابقيت على علاقة بالفرنك الفرنسي. ولكن بعد هزيمة الفرنسيين في بدايات الحرب العالمية الثانية، استبدلت الليرة بالجنيه البريطاني،إلى أن عاودت الليرة ارتباطها بالفرنك الفرنسي مرة أخرى بعد الحرب، واستمر الوضع على حاله إلى أن أخذت عملتنا استقلالها عن فرنسا عام 1949.
هذه المراحل ما هي إلا قطرة صغيرة في البحر الذي تخبطت فيه عملتنا منذ ذلك الوقت، حتى أضحت على ما هي عليه الآن, وكأنه كتب علينا أن نبقى دوما تحت رحمة الغرب، فإذا قطعنا رؤوسه عنا، تعثرنا بذيوله، ولن نستطيع أن نكون أصحاب قرار ومبدأ.
وفي الوقت الذي نشهد فيه أكبر أزمة اقتصادية نرى أن الدولار هو الاساس وعيون الناس مصوّبة على ذلك الرقم الذي قفز قفزة نوعية منذ انبلاج الثورة حتى يومنا هذا, وبتنا نعيش كارثة حقيقية قد تودي بنا إلى بساط الفقر .
اسئلة كثيرة نطرحها على أنفسنا ولكن دون جدوى, فجراح المواطنين تنزف بقوة والصراع مع الاقتصاد بات معقّدا، ولا وجود للشفقة أو للرحمة في قلوب أصحاب السيادة لأنهم لم ولن يتذوقوا يوما مرارة العوز والفقر, فهم في قصورهم غير آبهين بما يحصل لتلك الطبقة الاجتماعية التي تتخبّط يمينا ويسارا بحثا عن اعانة بسيطة كي تستطيع الوقوف والاستمرار.
ختاما, هي لعنة القدر الذي جعل من لبنان نقطة تواصل بين الشرق والغرب وجعله طعما لذيذا لكل راغب في الصيد، فلا بوادر تبشّر بالخير وتبقى العيون الدامعة تنتظر وتترقب عن كثب ذلك الباب الحكومي متى سيفتح في وجه رئيس قادر على اخراجنا من تلك الأزمة …
خاص ميدان_برس ليندا حمورة