كتب بشارة شربل في “نداء الوطن”:
لعلَّك شاهدتَ على الشاشات عصر أحَد الفصح أهالي ضحايا تفجير 4 آب متظاهرين أمام المرفأ يستذكرون أحباءهم ويذكّرونك بأنّ الشتاء لم يغسل الدماء.
ولعلّك يا حضرة المحقق العدلي سمعتَ الأمهات والأخوات والآباء يصرخون في وجه المجهول/المعلوم الذي تسبّب بالإنفجار ويستصرخون ضميرك أن تسعى الى الحقيقة التي وحدَها تستطيع تهدئة أرواح الأحياء والأموات.
بات الأهالي خبراء في التحقيقات. لذلك طلبوا منك “الإسراع لا التسرّع” كونهم تواقين الى رؤية متهمين أساسيين قيد التوقيف، من غير ظلمٍ لبريء، او التلهي بمسؤوليات هامشية لا محل لها في “جريمة ضد الانسانية” صنعها “أبطال” محترفون، وتواطأ فيها مسؤولون اعتادوا الضِعة بدل القيام بالواجبات.
حضرة القاضي: لم يغب عنك وأنت تتنكّب الحمل الثقيل أن جريمة “النيترات” أكبر من انفجار ضخم وأخطر من رقم قتلى. هي للقاصي والداني النموذج “المثالي” لتداعي الدولة واختلاط السياسة بالفساد وتداخل الاقليمي بالمحلي، وهي خلاصة تدهور متدحرج نعيشه منذ أسست سلطة الوصاية “حكم الزعران” الذي انتفضت عليه ثورة 17 تشرين. ولا شك في ان الأوراق التي تنكبُّ على درسها أكدت ما نعرفه جميعاً عن استعداد من يمسكون مفاتيح الدولة وأقفالها للتواطؤ، ليس لسرقة ودائع الناس واستباحة السيادة واستتباع القضاء وجعل معظم اللبنانيين تحت خط الفقر والتسبب بهجرة خيرة الشباب فحسب، بل أيضاً وأيضاً للسماح بقتل المئات وجرح الآلاف وتدمير ثلث العاصمة من غير ان يهتز جفن لتركيبة وصفها البطريرك الراعي تخفيفاً بأنها “جماعة سياسية”، ونحن نفهم بالاستقراء والاستدلال وبالقرينة والبرهان انها “عصابة أشرار” مكتملة المواصفات.
حضرة القاضي: يوم القيامة دخلَ الانفجارُ شهره التاسع. ولن نقول أزف موعد ولادة نتائج التحقيق لعِلمنا بالتعقيدات. ولأننا واثقون بأن قاضياً ذكياً مثلك بات يملك تصوّراً معقولاً عمَّن أتى بالنيترات ولأي أهداف بغض النظر عن كيفية التفجير عرَضاً ام نتيجة افتعال، فإننا نرجوك أن تتخذ قرارك بصفاء ذهن في شأن الاستمرار أم الاعتذار. فأنت تعلم ان هذه الجريمة لن تُقيَّد ضد مجهول حتى ولو نزلت السماء على الأرض، وأن اللبنانيين الأحرار لن يسكتوا عن مرتكبيها او يقبلوا بلفلفة القضية مهما كبرت الضغوط ومورست التهديدات.
حضرة القاضي: لو كان لنا الخيار لأعفيناك. لكن السلطة الشريكة في انفجار النيترات حالت دون لجنة تقصي حقائق دولية وعدالة خارجية نزيهة. يعلّق عليك اللبنانيون آخر الآمال ويعتبرون مسؤوليتك وطنية وأخلاقية قبل ان تكون قانونية، لذلك لا تتوقع أن يرضوا بأكباش فداء أو بأن يدفع الحقراء الصغار ثمناً عن الحقراء الكبار.
حضرة القاضي: لا نشجّعك على الانتحار. بل نقول لك ببساطة شديدة: نريد الحقيقة كاملة بلا مداراة ومحاباة وبلا إضاعة للوقت تطيل عذابات الثكالى والأيتام. فإما ان تقرر المضي بشجاعة في عمليةٍ تجلو فيها حقيقة جريمة المرفأ واضعاً الأساس لدولة القانون في لبنان، أو تتنحى مشكوراً ولن تُلام.