قبلان: الكلام عن التدويل وحماية الحدود الشرقية يعني إغراق البلد بفتن

وجه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان رسالة الجمعة لهذا الأسبوع مباشرة عبر أثير الإذاعة اللبنانية بارك فيها “ذكرى ولادة الأئمة الأطهار في شهر شعبان ومنهم الإمام علي بن الحسين زين العابدين الذي حين رأى أن أمية استباحت الناس واحتكرت أرزاقهم تعهد بمعاش الناس، وكما تنقل الروايات أنه تعهد سلام الله عليه بأكثر من 10 آلاف عائلة كانت بذمته، قام بخدمتها، بتأمين قوتها، وحاجاتها، ولم تعرف الناس أن الإمام زين العابدين كان يقوم بذلك حتى استشهد، فرأوا آثار أكياس الحمولة التي جرمت لحم ظهره وكتفيه فبكاه الناس طويلا لأنه جير إمامته دليلا للعقول وزادا للخلائق”، مؤكدا أن “مطلوب الله في هذا الشهر المعظم أن نعود إلى الله، وأن نخرج من وثن أنانياتنا وتبعياتنا، وأدوارنا الفاسدة، كي نجسد مطالب الله فينا، ومطالب الله فينا تعني رحمة، تعني حنانا، تعني عطفا، محرابا، صدقة، عونا، خيرا، تعني مخافة الله بالناس ووجعها وذلتها وقهرها. نعم، بمنطق الإمام الحسين والإمام زين العابدين وأبي الفضل العباس الصلاة مركز طاعة الله لكنها لا تنفصل عن رغيف الفقراء ورفع مظلوميتهم والتفريج عنهم، ومخاصمة من ينهبهم وإنقاذ بلدهم من الظالم والفاسد، فبمبادئهم خدمة الناس وعونها وحمايتها من الظالم والفاسد عبادة مقدسة، والمأثور عنهم لا عبادة لك إن لم تتشارك هموم الناس، لا عبادة لك وأنت قادر على عون الناس ولم تفعل، لا عبادة لك إن لم تهتم بأمور الناس، لا عبادة لك إذا شبعت وجاع غيرك، لا عبادة لك إذا أمنت وغيرك غير آمن، لا عبادة لك إن سكت عن ظالم وفاسد. وفي هذا المجال، ذاع عنهم من أحب ظالما فهو ظالم، ومن أعان ظالما فهو ظالم، من سكت عن ظالم فهو ظالم، والله تعالى من ورائهم يقول (تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله)”. وهذا يفرض الاستقرار السياسي قبل الحماية الاجتماعية، لأن السلطة هي بيت الداء والدواء، فإذا تمكن منها الفاسد حول البلد والناس والمرافق والموارد والثروات والإعلام والإمكانيات حولها إلى أوكار شيطانية، ودفع بالناس إلى واد لا قعر له، من الجوع والهلع والفقر والاضطهاد والتنكيل والإفلاس”.

وأشار إلى أن “أكثر ما نحتاجه اليوم هو أن نصل محراب صلاتنا بمحراب حاجات الناس وعونها وخدمتها لتحقق عدالة الرب وعطاياه وأمنه وأمانه ورحمته بخلقه، في بلد مبتلى بالمرض السياسي، وغارق بالفساد السلطوي والأنانيات الطائفية والمافيات التجارية والنقدية التي كشفت البلد عن أخطر إفلاس على الإطلاق، أوصلت أغلبية اللبنانيين إلى كارثة من الفقر والجوع وسط بيئة غارقة بالجريمة والبطالة وانهيار سعر العملة الوطنية وإفلاس تجاري وأسواق محتكرة، ومؤسسات أغلقت أبوابها، ونفوذ فاسدين أين هم من نفوذ فرعون وطغيانه”، آسفا “لما وصل بنا الحال اليوم حيث انحصر هم الناس بغالون زيت، وكيس حليب، ورغيف خبز، وحبة دواء، وإيجار منزل، وثمن معيشة”.

أضاف: “نعيش اليوم وسط نيران شعبية وبراكين محمومة تكاد تأخذ البلد لا بل أخذته إلى واد سحيق لا قرار له، البلد الآن يعيش لحظة مصير مشكوك، ووضعية غامضة جدا، سيما أن موقعه من خريطة الحصار الأميركي الخانق يحتل مركزا متقدما، ما يؤكد أن عملية إفقار البلد واستنزافه بلعبة الدولار والتجار والفجار وكل أدوات الاحتكار قائمة على قدم وساق، في ظل دولة مغيبة ومشلولة، وسياسة مهترئة، ومسؤولين غير مكترثين، لا بل هناك من يساهم بتهميش دور الدولة وفشل مؤسساتها وإداراتها بهدف حماية جزاريها وشركائها في نهب الثروات والموارد والودائع وتحويلها ثروات خاصة بهم في مصارف وكيانات مالية خارجية”.

وشدد على أن “الحل بالتغيير الجذري، ولكنه قد لا يكون متاحا الآن لاعتبارات وضغوط كبيرة إقليمية ودولية، لذا ندعو إلى قيام حكومة، وظيفتها وقف الانهيار ومنع المزيد من السقوط إلى أن تأتي الانتخابات وهي على الأبواب، وعلى الناس حينذاك أن تحدد وجهة البلد وموقعه على خارطة المنطقة، لأن ما يجري داخل البلد هو معركة منطقة بامتياز، والأميركي جزء أساسي فيها بمؤازرة بعض الشركاء في الداخل، وللأسف لا يهمهم من يجوع أو يموت، ولا يعنيهم كل هذا الفقر وهذا القهر، ولا كل هذا الإذلال الذي يعيشه المواطن أمام المصارف ومحطات البنزين وأمام السوبرماركت والأفران وأمام الصيدليات والمستشفيات، ما يهم هذه السلطة هو إحكام السيطرة على سطوتها وعلى تحكمها وعلى حصصها وعلى صفقاتها، سلطة الامتيازات والشعارات والعناوين التي يندى لها الجبين أمام هول هذه العاصفة الاجتماعية المخيفة التي باتت تنذر بالانفجار الكبير. لذا، وبدافع الحرص على هذا البلد ومنعا لسقوطه والوصول به إلى مكان لا يمكن العودة منه، أنصح الجميع بحكومة، ولو حكومة ربط نزاع بأسرع وقت، يكون من أولوياتها وقف هذا الحريق ولو بحده الأدنى، لأن أي حكومة بخلفية تصفية حسابات ومصالح انتخابية وطموحات رئاسية تعني مشروع فتنة يرعاها الأميركي في لبنان والمنطقة، ويعاونه على ذلك انقسام اللبنانيين العامودي والأفقي، وبعض ممن لا زالوا يراهنون على أمريكا وسياساتها العدوانية والانحيازية ضد المنطقة وشعوبها وبالخصوص لبنان تحت عنوان السيادة والحرية والاستقلال”.

وأشار إلى أن “الكلام عن الأساطيل والتدويل وحماية الحدود الشرقية وعسكرة البلد عبر جيوش وأدوات دولية يعني زيادة الشروخ بين اللبنانيين وإغراق البلد بفتن لا تبقي ولا تذر”.

وختم: “إن لبنان الآن بين السيء والأسوأ، وسياسة الضغط الأميركي في ذروتها، والانقسام الداخلي بلغ حدود الانفجار في الشارع، ما يؤكد أن استمرار لعبة التحدي وتقاذف المسؤوليات ببيانات من هنا وردود من هناك لن توصل إلى قيام حكومة، ولا الى حلول، ولن تؤمن الحقوق لأحد، وحينئذ على لبنان السلام”.