المواطنون بين جنون الدولار وجشع التجّار: فوضى… وطوابير انتظار

يسابق الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار الاميركي صوت الاحتجاج الشعبي في المناطق اللبنانية كافة، يطير كالصاروخ بلا توقّف، فتحلّق معه الاسعار وترتفع، فيما تختنق صرخات الجوع والوجع الممزوجة باليأس وتتوزّع غضباً بين اقفال الطرقات والاطارات المشتعلة والدخان الاسود و”الشحتار”، لتكرّس مشهداً متناقضاً يعيشه اللبنانيون بمختلف طوائفهم ومذاهبم ومناطقهم وفئاتهم منذ بدء الانهيار الاقتصادي والمعيشي وحجز الاموال في المصارف.

 

وانعكس المشهد الفوضوي في عمليات البيع والشراء، بين تهافت المواطنين على التزوّد بالاحتياجات الضرورية والمواد الاستهلاكية، ولا سيما الرزّ والسكر والحليب والزيت قبل ارتفاع اسعارها مجدّداً بعد فقدان المدعوم منها، وبين بدء بعض المحال التجارية والسوبرماركت إقفال أبوابها، بعدما لامس سعر الصرف الـ 15 الف ليرة لبنانية، بانتظار استقرار سعر الصرف. وبينهما من اعتمد اسلوباً جديداً في تقنين البيع، فأبقى على الاسعار نفسها ولكنّه لم يسمح بشراء كمّية كبيرة من كل نوع، وقلّة تفاعلوا مع السوق وزادوا على الاسعار بما يتناسب مع الارتفاع الجديد، في وقت حرّرت دورية من المديرية العامة لأمن الدولة محضر ضبط بحقّ صاحب سوبرماركت في منطقة صيدا، بعدما ضبطت احتكاره مواد غذائية مدعومة، ولا سيما حليب الاطفال.

 

وعلى وقع الفوضى، كشف عثور وزارة الاقتصاد على المزيد من أكياس فارغة للأرز والسكّر المدعوم جشع التجّار، في خضمّ الضائقة المعيشية وبحث المواطنين عنها “بالسراج والفتيلة” من دون جدوى، وآخر فصولها في مدينة صيدا، إذ عثرت شرطة البلدية بإمرة المفوض ثالث بدر الدين قوام على أرض بور جرتت فيها عملية إحراق أكياس وعلب فارغة لمواد غذائية مدعومة. فيما أعلن رئيس بلدية صيدا المهندس محمد السعودي أنّ التحقيقات الأولية وإفادة عناصر الدورية تشير الى ادلّة للتخلّص منها بعد افراغ كمياتها وسيتمّ تسليمها للأجهزة الأمنية المختصّة للقيام بالتحقيق وإجراء المقتضى اللازم.

 

وتكرّرت العملية في منطقة الشرحبيل في بقسطا، اذ عثر أحد المواطنين على كمّية من أكياس فارغة للأرز والسكّر المدعوم من وزارة الاقتصاد، حيث توجّهت دورية من شرطة بلدية بقسطا الى المكان مع الاجهزة الامنية المختصة التي باشرت بالتحقيقات اللازمة، وقبلها في الصرفند حيث يقوم تجار مجهولون بإفراغ اكياس المواد المدعومة من محتوياتها ورميها او احراقها لبيعها بسعر أعلى في السوق وتحقيق أرباح عالية على حساب المواطنين.

 

ووصف المسؤول السياسي لـ”الجماعة الإسلامية” في الجنوب الدكتور بسام حمود من يقوم بذلك بأنّه “تاجر فاجر لم يتوانَ عن سرقة حقوق المواطنين وهو شريك تلك السلطة الفاسدة التي تسبّبت بكل هذه المآسي التي يعيشها الشعب اللبناني، وعليه فإنّ على المراجع المختصة كشف الفاعل أياً كان وتوقيفه والتشهير به ليكون عبرة لكل من تسوّل له نفسه اللعب بقوت المواطن ومعيشته في هذه الظروف الصعبة”.

 

والفوضى لم تقتصر على عمليات البيع فقط، اذ امتدت الى تلويح الافران بوقف العمل، مما أحدث إرباكاً ودفع المواطنين الى التزوّد بالخبز فوق حاجتها لايام، وامتداداً الى محطات الوقود التي رفع عدد كبير منها الخراطيم، فيما انتظر مواطنون بالطوابير أمام اخرى فتحت ابوابها لساعات معدودة، أو عمدت الى تزويد السيارات “بالقطّارة” بقيمة لا تتجاوز الـ 20 ألف ليرة.

 

وقال السائق مجدي حبلي وهو ينتظر دوره لملء خزّان سيارته: “نحن في قلب الانهيار ونعيش الازمات اليومية المتلاحقة”، قبل أن يضيف لـ “نداء الوطن”: “لم أعد قادراً على الاستمرار بالعمل هكذا، بين التجوال العشوائي وانتظار الدور لتعبئة الوقود، قرّرت وقف العمل الجوال وانتظار طلبات التوصيل فقط، على أمل ان يساهم ذلك بسدّ الرمق لان الغلاء يأكل المصروف كما تفعل النار بالهشيم”.

 

ومقابل الطوابير، نزل ناشطون في حراك صيدا الى الشارع، اقفلوا تقاطع ايليا بالاطارات المشتعلة، وساحة النجمة بالاجساد والسيارات، قبل أن يجولوا في السوق التجاري ويدعوا التجار واصحاب المحال الى الاقفال. غير أنّ اعداد الحراك بقيت قليلة قياساً على حجم الغضب، الذي ترجم ليلاً بوقفة لسائقي السيارات امام سراي صيدا الحكومي، واخرى في ساحة الشهداء باقفال تقاطع ايليا.