نشرت “الوكالة الوطنية للإعلام” تحقيقاً بعنوان “عزلة الموت في زمن كورونا مصيبة مضاعفة والأحبة يرحلون على غفلة” للصحافية ندى القزح، أشارت فيه إلى أنّها “هي النظرة الأخيرة، العناق والقبلة الأخيرة غاية أمنياتنا اليوم قبل أن يغادروا هذه الدنيا الفانية، فلحظة وداع الأحبة لطالما كانت قاسية، ولكنها ساعة لا بد منها لو مهما طالت الأيام”.
وعن سبب تفاقم عدد الوفيات في المرحلة الأخيرة، قال الدكتور بيار إده، الإختصاصي في الأمراض الصدرية والإنعاش ورئيس العناية الفائقة في قسم الكورونا في مستشفى سيدة المعونات الجامعي جبيل: “أمر بديهي أن يزداد عدد المصابين مع مرور الوقت، وأن ينتقلوا من منازلهم إلى طوارئ المستشفيات ثم إلى الأقسام المخصصة لكورونا وبعدها إلى غرف العناية الفائقة حيث يصارع المريض بين الحياة والموت، وتستخدم أجهزة التنفس الإصطناعي بسبب القصور الرئوي لدفع الهواء إلى الرئتين مع زيادة مستوى الأوكسجين، وسوف يتكرر هذا المشهد إلى أن تنحسر الموجة من جديد”.
وأضاف، “لقد ساهم فتح البلد في فترة الأعياد في نهاية العام 2020 حيث تكثر اللقاءات والاجتماعات بتفشي الوباء، ونتخوف أيضا من عودة الحياة إلى طبيعتها والمرحلة التي نحن مقبلون عليها حيث تكثر الأعياد والمناسبات”
وتابع، “ما لمسناه بعد مسيرة سنة ونصف مع فيروس كورونا هو وجود علاقة بين فصول السنة وانتشاره، فكما تخف حدة الإنفلونزا في الربيع والصيف وتكثر في الخريف والشتاء، كذلك فيروس كورونا الذي لاحظنا انتشاره بشكل أكبر منذ شهر أيلول حتى اليوم”.
وأشار إده إلى أن “لا معلومات مثبتة وحقائق علمية حتى اليوم عن التحور الحاصل في الفيروس، غير أنه ينتشر بطريقة أسرع من السابق. وبحسب خبرتي كطبيب إنعاش في قسم الكورونا، يخيفني أكثر وضع الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين الأربعين والسبعين وهم يعانون من البدانة أو أمراض سرطانية حالية أو سابقة، لأنني لاحظت تدهورا كبيرا في صحتهم بشكل سريع ومفاجئ.
وأردف: “صادفنا أيضا أن بعض المصابين في عز شبابهم وهم رياضيون ولا يعانون من أي مرض مزمن ، فقدوا معركتهم مع الفيروس على الرغم من صحتهم الجيدة. كما لاحظنا حالات خاصة صحية لبعض المسنين الذين أصيبوا، ولكنهم تعافوا وعادوا إلى منازلهم سالمين. إن نسبة المتوفين الذين تفوق أعمارهم الخمسة وسبعين عاما هي خمسين في المئة، وتكشف الدراسات أن الرجال هم عرضة للوفاة عند إصابتهم بالفيروس أكثر من النساء”.
وعن الطاقم الطبي أكد إده أنه “يقوم بواجبه على أكمل وجه من حيث التضحيات والخدمة والعناية بالمرضى، فكما سمعنا في بلاد أوروبا وأميركا وغيرها عن تعب نفسي وإنهاك جسدي لدى العاملين في القطاع الصحي، كذلك نحن أيضا نعاني أكثر في لبنان بسبب تردي الأوضاع على كافة الأصعدة والمستوى المعيشي والاقتصادي وتفشي كورونا وخسارة أحبائنا. فالبعض منهم مات وهو في عز شبابه وأولاده ما زالوا بأمس الحاجة إليه، ولا يمكن ألا نتأثر إنسانيا في حالات خاصة ونحزن لحزن الناس ونتألم معهم لأن الوضع صعب وقاس على الجميع. والعديد من الممرضات والممرضين والأطباء أصيبوا بالفيروس في أثناء تأديتهم الواجب، وعانوا أيضا لاستعادة عافيتهم بعد أن خضعوا للعلاج”.
ولفت إلى أن “النقص لكبير في المعدات والمستلزمات الطبية والثياب الواقية والأدوية، والمنظومة بأكملها لم تكن جاهزة لاستقبال موجة الوباء التي حصلت أخيرا على الرغم من السياسة التي اتبعتها وزارة الصحة وهي تأهيل المستشفيات الحكومية، فالإقبال كان كبيرا جدا على المستشفيات الخاصة بسبب الحاجة وعدم توفر الأسرة”.
وقال: “نحن كنا نعلم أنه لا بد من حصول موجة ثانية بعد الموجة الأولى في الربيع الفائت، ولكن وضع البلد الاقتصادي لم يسمح للمستشفيات بتجهيز أقسامها لمواجهة تفشي الوباء لأن الكلفة باهظة. فلو تمكننا من تجهيز كاف وواف لاستقبال الموجة الثانية، ربما كنا استطعنا من تقليل عدد الوفيات نوعا ما، لأن الكورونا مرض قاس وأحيانا نقوم بكل ما بوسعنا وعلى الرغم من ذلك نخسر المريض أمام المعركة مع الوباء”.
وفي حديثه كشف إده عن خطة عمل وضعها لمرافقة أهل المريض الذي يصارع بين الحياة والموت في غرفة العناية الفائقة، وقال:”لقد اعتمدت وسائل التواصل الاجتماعي من أجل الأهداف النبيلة، وطلبت من أهل كل مريض خلق حساب خاص للعائلة والأصدقاء يتم من خلاله التواصل معي شخصيا لطمأنتهم وإعلامهم بكل جديد عن حال المريض الصحية إن إيجابا وإن سلبا”.
وأضاف، “وأحيانا ألجأ إلى تصوير المريض عبر الهاتف بالفيديو وأرسله إلى عائلته إذا أرادوا رؤيته والاطمئنان عليه. علينا أن نستخدم حكمتنا في الطبابة ونشعر بوجع الناس، فأمر صعب جدا على العائلة أن ترسل مريضها إلى المستشفى وحيدا ولا تتمكن من رؤيته مجددا إذا لا سمح الله وسارت الأمور بشكل معاكس وتوفي”.
وتابع، “في غرف العناية الفائقة، يتم استخدام أجهزة التنفس الاصطناعي لمحاولة إنقاذ المريض فيكون في هذه الحالة نائما. لذلك قررنا مرافقة الأهل تحديدا في مرحلة العلاج ومتابعة الوضع الصحي معهم كل يوم بيومه. ولم نواجه حتى اليوم أي نوع من المشاكل مع عائلة المريض الذي يتوفى، لأننا نرافقهم جيدا وننقل إليهم الحقيقة كما هي ونحضرهم معنويا إذا وصلنا إلى طريق مسدود ورأينا أن المريض لا يتجاوب وهو على شفير الموت”.
وختم الدكتور بيار إده، بنصيحة إلى المواطنين باتخاذ أقصى تدابير الوقاية، قائلاً: “فعلينا أن نعتمد ثقافة عدم لمس الأعين والأنف والفم ونتعلم كيف نعيش في هذه المرحلة، ونحافظ على التباعد الاجتماعي ولبس الكمامة دوما لحماية أنفسنا”.
وأردف، “وأنصح الجميع بتلقي اللقاح لو مهما كانت حالتهم الصحية، لنستطيع تكوين مناعة في مجتمعنا وحماية بعضنا البعض والحد من انتشار الفيروس، وأنا كطبيب قد تلقيت اللقاح لأحمي نفسي وعائلتي ومحيطي، ومن الضروري جدا أن نعلم أن كورونا لن تختفي قريبا عن وجه الأرض بل ستستمر وتعيش معنا ونحن ننتظر الموجة الثالثة في الخريف المقبل”.
المصدر: ليبانون ديبايت