كتبت وكالة “سكاي نيوز عربية”:
يوما بعد آخر، يرزح اللبنانيون تحت خط الفقر، فالأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية، نتائجها معلومة للجميع: بطالة وانهيار للعملة الوطنية وتآكل للقدرة الشرائية، ومن ثم الفقر.
ومؤخرا تزايد زخم من التقارير الدولية التي حذرت من خطورة الوضع، ومن أهمها تقرير للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “الإسكوا”، والذي نبّه إلى أنه “قد يتعذّر على نصف سكان لبنان الوصول إلى احتياجاتهم الغذائية الأساسية”.
وأرجع التقرير ما توصل إليه إلى اعتماد لبنان بشدة على الواردات الغذائية، لتأمين حاجات سكانه، كما ساهمت عوامل أخرى في ذلك مثل الانفجار الهائل الذي دمّر جزءا كبيرا من مرفأ بيروت، المنفذ الرئيسي لدخول البضائع إلى البلد، وانهيار قيمة العملة “الليرة اللبنانية” بمقدار 78 في المئة، وتدابير الإقفال التي اتُخذت لاحتواء جائحة كورونا، والارتفاع الحاد في معدلات الفقر والبطالة.
وفي حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، شرح المستشار الإقليمي للأمن الغذائي، إلياس غضبان، معنى الأمن الغذائي بمفهومه الشامل على الصعيد الوطني، موضحا وجود 4 أبعاد متشابكة هي: توافر الغذاء (عبر الإنتاج المحلي أو الاستيراد)، الوصول إلى الغذاء أو الفئات القادرة على شراء هذا الغذاء، وهذا الأمر مرتبط بمعدلات الفقر والبطالة وبمؤشرات أخرى كمعدل التضخم، الذي وصل في نهاية العام 2020 لحوالي 100 في المئة في حين كان يتراوح في العام 2019 بين 6 و8 في المئة.
وأضاف غضبان أن هنالك أيضا استعمال الغذاء (الاستفادة منه)، واستقرار الغذاء المرتبط بالاستقرار السياسي، فضلا عن الاستقرار المالي وهو المؤثر على كل المؤشرات.
ونبّه غضبان إلى أن خطر الأمن الغذائي أو الغذاء غير السليم قد يؤدي إلى البدانة وانتشار نقص التغذية، وما لهذه الأمراض من تداعيات على الفاتورة الاستشفائية، أو التكاليف الصحية التي تنفقها الدولة.
وأوضح أن “ما يعرض الأمن الغذائي في لبنان للخطر، هو الزيادة في معدلات الفقر والبطالة، وجائحة كورونا وتدهور قيمة العملة الوطنية. في حين بقيت الأجور دون أي إجراء تصحيحي. وترافق ذلك مع ارتفاع الفاتورة الغذائية على صعيد الأسرة، من 40 في المئة الى 60 في المئة من مجمل الدخل إلى 90-100 في المئة اليوم”.
وبحسب غضبان، ارتفعت أسعار المواد الغذائية عن العام 2019 لحوالي 200 في المئة، ما يعني أن الأسر الأكثر ضعفا، عاجزة عن تأمين سلتها الغذائية الكافية من الكمية والنوعية، والتي كانت تحصل عليها في العام 2019.
انفجار مرفأ بيروت وتلف مخزون القمح
وخسرت الصوامع التي حمت بيروت من هول الانفجار، وامتصت قرابة 60 الى 70 في المئة من قوته وعصفه، 45 في المئة من مخزون القمح، والبالغ يومها 45 ألف طن.
أما ما بقي من القمح، فلم يعد صالحا لصناعة الطحين، ويعمل اليوم القائمون على المرفأ مع المختبرات الفرنسية، على دراسة إمكانية إعادة تدوير هذا القمح، إضافة إلى الحديد وكل مخلفات الانفجار، بحسب ما ذكر أسعد حداد، مدير صوامع القمح في مرفأ بيروت، في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”.
وبالإضافة إلى مشكلة التخزين اليوم، استجدت مشكلة التفريغ، إذ أن الأرصفة المعتمدة لذلك تستخدم أيضا” لتفريخ الحديد والمواشي وغيره، ما سبب تلف وتلوث بعض القمح، فضلا عن مشكلة التخزين بالمستودعات وما تتعرض له هذه الأماكن من انبعاثات الآلات العاملة في المرفأ.
ولم يملك لبنان في السابق أي مخزون استراتيجي، إذ أن الدولة، بحسب حداد، كانت تستورد الكمية التي تكفي الحاجة السنوية والتي تتراوح ما بين 600 الى 700 ألف طن.
وتابع حداد قائلا: “بعد انفجار المرفأ بدء الحديث جديا عن مخزون استراتيجي خوفا من أي طارئ، وتوزيع بناء الصوامع في أكثر من محافظة، فضلا عن تأمين الحبوب التي تستعمل كعلف للحيوانات، لا سيما مع إعادة إنعاش القطاع الزراعي وقطاع الدواجن في لبنان، عندما تراجع الاستيراد، بسبب شح الدولار”.
شح الدولار وارتفاع الأسعار
وفيما يتعلق بمسألة شح الدولار، قال نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن المواد الغذائية لم تتضرر من انفجار مرفأ بيروت، بسبب وجودها في محطة الحاويات التي نجت بأعجوبة من الانفجار.
وبيّن بحصلي قائلا: “المشكلة الكبرى اليوم هي شح الدولار، وحجب المصارف لودائع المستوردين، ما أدى إلى ارتفاع أسعار العديد من السلع، نتيجة لجوء التجار للسوق الموازي، لشراء الدولار للاستيراد، فانعكس الأمر ارتفاعا بالأسعار، وتراجع الطلب على العديد منها، فلم تعد متوفرة بالسوق المحلي، وما توفر منها يكون بجودة أقل”.
وعلى الرغم من ذلك، لا يجد بحصلي في هذا الأمر خطرا على الأمن الغذائي، وهو ما يوضحه بالقول: “المشكلة بتراجع القدرة الشرائية، نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، السلع والمواد الغذائية نستطيع الحصول عليها عند توفر العملة الخضراء لشرائها، وحتى الآن الكثير من السلع والمواد الغذائية متوفرة، ولكن المواطنين باتوا لا يملكون المال الكافي لشرائها”.
ويظل الخوف اليوم هو حول قضية رفع الدعم عن السلع والمواد الاستهلاكية الأساسية، المدعومة من مصرف لبنان على سعر صرف 1500 ليرة، فيما يصل سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى حدود 9000 ليرة وأكثر، وهو ما سينعكس على أسعار المواد الغذائية، ما يعني أن تجار السلع المدعومة سيصبحون كبقية التجار، يشترون الدولار من السوق السوداء، لتكون النتيجة في النهاية مزيدا من الارتفاع في سعر صرف الدولار.