كتب نادر حجاز في جريدة “الأنباء” الالكترونية:
كثيرون هم الذين يعرفون “أبو عاصم”، السبعيني صاحب الوجه البشوش، والكلمة الطيبة، والضحكة الحاضرة دائماً، وكاتب بعض الخواطر النثرية في صفحات جريدة “الأنباء”، لكن قلّة هم الذين تعرّفوا على عصام زيدان، حيث المغامرة لمقابلته تستدعي مسحة حزن ودموع لا يستطيع هذا الفنان المنسيّ في هذا الوطن أن يخبّئها. فالشوق كلّه هناك، كما المدرسة والعشق، كلّه تركه “أبو عاصم” على خشبة المسرح ذات يوم وسرقته هموم الحياة مكرهاً إلى غير مكان، إلى التعب والعمل من أجل الحياة الكريمة، ففضّل أن يكون الأب لا الفنان.
لم يتخرّج عصام زيدان، المولود في العام 1951، من كليات فنون ومسرح، لكنه وُلد وفي قلبه وعقله موهبة كبرت معه، فكان منذ مطلع شبابه ابن الخشبة التي باتت جزءاً من شخصيته، وحيث كبر فنانٌ أبدع، وحاول منذ صغره أن يكون له بصمته الخاصة، فأسّس فرقة هواة جال بها على مسارح سينما “سميراميس” في رمل الظريف، وسينما “سكالا” في فرن الشباك، و”ريفولي” في النبطية، متنقلاً بين المناطق اللبنانية والمسارح.
ولا يزال زيدان يتذكّر الحفل المسرحي الذي أقيم على مسرح بعقلين، وتمّ حينها تقديم مسرحية كوميدية بعنوان “الأخ الخائن”، وكان دوره فيها محامٍ واسمه “سنكوح”، ولشدة إعجاب المشاهدين بدوره تفاعلوا معه وهتفوا له مراراً “سنكح سنكح يا سنكوح”.
خاض تجربة التلفزيون في قناة 7 و11، حيث شارك في تصوير العديد من البرامج ومنها “الغناء عند العرب” في أواخر الستينيات.
لم يقتصر عمل زيدان في بداياته على تشكيل فرقة هواة، لا بل كتب مسرحيتين، واحدة منهما أبصرت النور، وكانت بعنوان “كنّا وبعدنا” حيث قدّمها في عرمون في العام 1977، وكان جميع الممثلين فيها من الهواة، وقد حققت نجاحاً كبيراً، وقام بعرضها في أكثر من منطقة لا سيّما في خلدة ووطى المصيطبة وعين المريسة، وكانت المسرحية عبارةً عن حوار مسرحي بالإضافة إلى حوار شعري وغنائي.
ويذكر زيدان أنه قد تعرّض لوعكة صحيةٍ على مسرح الجامعة الأميركية في جل البحر أثناء تقديم المسرحية، فما كان من الفنان سعد حلاوي إلّا أن أكمل المسرحية إلى حين عودته مؤدياً أغانيه، وكان تأثّر الجمهور وتفاعله كبيراً بعد عودته وإكماله المسرحية.
تعرّف زيدان على الفنان الكبير سليمان الباشا في أواخر السبعينيات، وكانت نقلةً نوعية في تاريخه الفني، حيث عمل معه لسنوات طويلة إلى جانب فنانين كبار أمثال جناح فاخوري، وسهيل نعماني، وعمر ميقاتي وغيرهم – وقد أدّوا أعمالهم في بعلبك، وفي المسرح الجوّال، وفي العديد من المناطق – مستذكراً الكثير من الأعمال معه ومنها “فلتحيا جمعيتنا”، “مصيبتي ابني”، و”الدنيا بتهتز ما بتوقع” وسواها، وكان غالباً ما يأخذ فيها دور البطل الرديف إلى جانب الباشا في أواخر السبعينيات من القرن الماضي.
كما عمل زيدان مع سليمان الباشا في التلفزيون حيث تم عرض برنامج “يوميات صائم” شهر رمضان، وعلى مدى سنتين.
تأثّر زيدان بالمسرح التراجيدي، لكنه عمل في المسرح الكوميدي والمسرح الشعبي وأبدع فيهما، الأمر الذي سمح له أن يكون مشاركاً في مسرحية “طمبوز وعنطوز” للأطفال في سينما “أورلي” إلى جانب عمر الشماع، وعمر ميقاتي، وغازي قهوجي، وفايق حميصي، وزياد مكوك.
في العام 1982، كان التحوّل الكبير في حياة زيدان، فاضطر للسفر إلى أبو ظبي من أجل العمل، حيث بقي هناك لعدة سنوات، خسر خلالها منزله في وطى المصيطبة إبّان الاجتياح الإسرائيلي ومعه مكتبته التي نُهبَت ومعها أرشيفه في العمل المسرحي الذي لم يبقَ منه إلّا بضعة صور.
حاول زيدان العودة إلى المسرح من خلال مسرحية “الشاطر حسن” مع عمر ميقاتي وعمر الشماع، لكن ظروفه الخاصة والمعيشية خانته، واضطر مكرهاً للعمل مبتعداً عن حلمه الذي بقي مرافقاً له طيلة حياته ولا يزال، ويتمنّى لو تسعفه القدرة والصحة والذاكرة لتقديم عمل مسرحي لفلسطين، وهو الذي سبق وعرض مسرحية مع منظمة التحرير الفلسطينية على مسرح جمال عبد الناصر في الجامعة العربية.
يعود زيدان بالذاكرة بكثيرٍ من الشوق، وهو الذي واكب مسرحيين كبار أمثال بيرج فازيليان، سليمان الباشا، حسن علاء الدين، أحمد الزين، مهرّج المسرح زياد مكوك، فريال كريم، وأماليا أبي صالح وغيرهم كثُر، وفي باله حلم ذاك الشاب الذي ما كبُر بالعودة إلى المسرح الشعبي والمسرح الوطني.
يختم زيدان حديثه بالكثير من الدموع، متكّئاً على “أبو عاصم”، علّهما يقويان على الزمن الذي ما كان إلا مسرحيةً حزينة.