كتبت ملاك عقيل في “أساس ميديا”:
لافتاً جداً كان تصريح مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم إلى قناة “الحرّة” قبل أيام في معرض ردّه على سؤالٍ عن الدور السياسي المًحتمل له في المرحلة المقبلة أو الذي يطمح اليه إذ قال: “أحِبّ أن ألعب دوراً في السلطة التنفيذية، وليس أبداً السلطة التشريعية. هذه أهوائي”. وأي وزارة يمكن أن ينجح فيها اللواء ابراهيم أجاب: “الخارجية أو الداخلية”، مُرجّحاً “الخارجية أكثر”!
لا الشخص ولا التوقيت ولا مضمون الحديث مجرد تفصيل هامشي في مرحلة غليان سياسي ومالي واقتصادي وأمني يشهدها لبنان منذ فترة، ووسط أزمة حكومية مُستعصية دَخَل مدير عام الأمن العام على خطها عبر الاستماع إلى “هواجس” قطبيّ الصراع ميشال عون وسعد الحريري، وما بينهما جبران باسيل، محاولاً خلق قواسم مشتركة تمهّد لولادة الحكومة.
حتّى “المِنصّة” الإعلامية التي أطلّ منها ابراهيم حَملت تأويلات، بُعَيد تسلّم الإدارة الاميركية الجديدة برئاسة الرئيس المنتخب جو بايدن مهامها، ما عزّز منطق البعض عن رسائل موجّهة من الداخل اللبناني، وعبر مدير عام الأمن العام تحديداً، إلى الاميركيين.
وتفيد معطيات في هذا السياق إلى دعوة وجّهت إلى اللواء ابراهيم لزيارة الولايات المتحدة بعد فترة من تسلّم فريق عمل بايدن مهامه لكن لم تتّضح حتى الآن ماهيتها وتوقيتها. وربما قد يمثّل ذلك أولى مؤشّرات اهتمام أميركي مُستجدّ بلبنان كان غائباً عن أجندة دونالد ترامب، وربطاً أيضاً بمساعي إنعاش المبادرة الفرنسية.
وبين سطور مواقف ابراهيم على الشاشة الأميركية، التي انطلقت من جهوده في إطلاق عددِ من الموقوفين اللبنانيين في الإمارات ومساعيه على الخطّ الحكومي، حضرت “حقيبة المال” التي خاض الثنائي الشيعي، “أمل” و”حزب الله”، معركة بعد استقالة حكومة حسان دياب لإبقائها بيدّ الطائفة الشيعية.
وقد برز في هذا السياق معطيان مُستجدّان عبّر عنهما ابراهيم للمرة الأولى، ومن دون قفازات، حيال مسألة باتت تعتبر من “المكتسبات” الشيعية في النظام: حقيية المال المُرادفة للتوقيع الشيعي الثالث:
الأول: قول ابراهيم صراحة إنّ “الشيعة قد ينظرون إلى حقيبة المال من منظار دستوري ومشاركة في السلطة، وهذا حقهم. لكن من موقعي لا أؤِمن بهذا التوزيع الطائفي إطلاقاً، وأنا أؤمِن بالدولة المدنية والعصرية”، نافياً في الوقت نفسه “أن يكون تمسّك الثنائي الشيعي بحقيبة المال لمنع حصول تحقيق مالي جنائي داخلها”.
وقال ابراهيم: “التمسّك بحقيبة المال عمره عشرات السنوات. والرئيس نبيه بري روى لي مسيرة تمسّكه بهذه الحقيبة من أيام الرئيس رفيق الحريري. وبالتالي التوقيع الثالث هو الحافز وليس الهاجس من التحقيق المالي”.
الثاني: مجاهرة ابراهيم برغبته في تولّي موقع ما في السلطة التنفيذية، تحديداً الداخلية أو الخارجية.
ولهذا الموقف تأثيرات على مسألتين أساسيتين:
الأولى “مستقبل” رئاسة مجلس النواب بعد إعلان مدير عام الأمن العام الصريح أنّ “ملعبه” المقبل لن يكون على الساحة التشريعية. وبالتالي الانسحاب الإرادي من نادي المرشّحين المحتملين لخلافة الرئيس برّي على رأس السلطة التشريعية.
والثانية “مصير” حقيبة المال على ضوء الموقف الشيعي المتمسّك حتّى اللحظة باعتبارها من مكتسبات الطائفة وتحييدها بالكامل، وبرضى الرئيس المكلّف سعد الحريري، عن جولات العراك حول هوية الحكومة المقبلة.
وبالتأكيد، فإنّ إعلان ابراهيم رغبته في تولي حقيبة الداخلية أو الخارجية سيخلق جدلاً واسعاً، قد يكون له امتداداته أصلاً في ما يُرسم للمرحلة المقبلة لبنانياً على ضوء تسليم كثيرين بأنّ التركيبة السياسية – الطوائفية الحاكِمة لم تعد تصلح لإدارة الحكم. وما يفترض أنّه كان من المسلّمات ضمن إدارة المنظومة السابقة أصبح قابلاً للنقاش والتغيير الحتمي.
فحقائب المال والدفاع والخارجية والداخلية هي سيادية موزّعة مناصفة بين المسيحيين والمسلمين. وطرح ابراهيم، بصفته الطائفية كشيعي، سيُدخِل تعديلاً جذرياً على “تركيبة” الحقائب السيادية عبر اقتراحه سحب المالية، وما تعنيه كشراكة في السلطة، من يدّ الثنائي الشيعي الذي كرّس لتوّه، وبِمَنطقِهِ، واقع الاستئثار بهذه الحقيبة لتشكّل التوقيع الشيعي الثالث على المراسيم بعد توقيعي رئيس الجمهورية الماروني ورئيس الحكومة السني.
كلام مدير عام الأمن العام لم يَستدرج حتّى الآن أي ردةّ فعل من جانب الثنائي الشيعي، وربما لن يحصل هذا الأمر، أقلّه في الإعلام. لكنّ موقف ابراهيم، الذي فضّل الخارجية على الداخلية، يتماهى مع منطق شريحة واسعة جداً من اللبنانيين والمنطق الفرنسي، واستطراداً الأميركي، الخارج من معادلة المحاصصات السياسية والطائفية في الحكومات.
يقول مطّلعون في هذا السياق “أي عملية إصلاح مقبلة يستحيل أن تأتي وفق عدّة الشغل نفسها التي أوصلت البلاد الى الانهيار الكامل. وعملية الإصلاح الشاملة ستُدخِل تعديلات على الأرجح على حقائب الحكومة لناحية استحداث او إلغاء بعضها. وربما قد يتمّ استحداث حقيبة الأمن القومي لتشكّل نقطة مشتركة لعمل كافة الأجهزة الأمنية”.
على خط آخر، بَرز ما أدلى به اللواء ابراهيم من معطيات في شأن تأكيده على عودة حضور ونشاط داعش في العراق والمناطق السورية، قائلاً: “نحن لسنا في جزيرة معزولة ولبنان سيتأثر بهذا الأمر. ونحن نتحسب لهذا التأثير، ونتّخذ مع كافة الأجهزة الاحتياطات والإجراءات لمنع دخول داعش مجدداً الى الساحة اللبنانية. لكن للاسف ما يحصل في طرابلس قد يكون فرصة لهؤلاء للعودة الى الساحة الداخلية”.
ويبدو أن موقف اللواء ابراهيم الذي يتطابق مع معطيات تملكها باقي الأجهزة الأمنية أثار موجة استياءٍ لدى مجموعات الثورة التي فسّرتها بمثابة “شيطنة” للحراك الشعبي.
لكن موقف ابراهيم، وفق مطلعين، انطلق من احتمال استغلال “داعش” للتوترات على الساحة اللبنانية المأزومة، وفي طرابلس خصوصاً، للقيام بأعمالٍ تخريبية وإحداث فوضى وخرق المجموعات الناشطة على الأرض. وهذا الموقف عملياً يحمي هذه المجموعات ويحيّدها عن المخطط الداعشي التخريبي ويأتي بمثابة إنذار للتنّبه من الفوضى والتخريب وليس اتهام الثوار بتنفيذ أجندة خارجية”.