كتبت دنيز رحمة فخري في “اندبندنت”:
ستشغر أكثر من 11 دولة خلال أسابيع قليلة، من سفير يمثل الدولة اللبنانية، أبرزها الولايات المتحدة حيث يُتوقَع أن يتقاعد سفير لبنان في واشنطن غابي عيسى منتصف شهر آذار المقبل، أي بعد أقل من شهرين.
مما لا شك فيه أن شغور مركز السفير في العاصمة الأميركية، في التوقيت الحالي، يشكل مشكلة إضافية للدولة اللبنانية التي تترقب بحذر السياسة الجديدة لإدارة الرئيس جو بايدن تجاه الشرق الأوسط، وانعكاسها على لبنان في أكثر من ملف، بدءاً من العقوبات على “حزب الله” ووصولاً إلى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. ولم ينجح السفير الحالي في الحؤول دون فرض عقوبات على شخصيات لبنانية في مقدمها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل. كما فشل وفق مصادر دبلوماسية، في تأمين حد أدنى من التواصل بين إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب والعهد الحالي، لا سيما مع رئيس الجمهورية ميشال عون. ومما لا شك فيه أن لبنان سيحتاج في المرحلة المقبلة المفصلية في تاريخ الصراع الأميركي – الإيراني، إلى دبلوماسية حاضرة وفاعلة وكاملة، لكن المشكلة أن حكومة تصريف الأعمال لا يمكن أن تقوم بأي تعيينات. كما أن التعيينات الدبلوماسية تحتاج إلى حكومة جديدة لإقرارها.
السيناريوهات المحتملة لملء الشغور
تكشف مصادر سياسية أن البحث جار في دوائر القصر الجمهوري عن الحل الأمثل، والنائب باسيل ليس بعيداً من النقاش، على اعتبار أن مركز السفير في واشنطن عائد للطائفة المارونية، وقد اعتاد باسيل أن يسمي كل المسيحيين في الإدارات العامة، منذ وصول عون إلى قصر الرئاسة في بعبدا، بحجة ترؤسه الكتلة المسيحية الأكبر. ومعلوم أن باسيل كان اقترح منذ أشهر لمنصب السفير في واشنطن مدير مكتبه السابق هادي الهاشم. بالتوازي مع البحث عن المرشح المناسب، يجري النقاش حول إيجاد حل يراعي الآليات الدستورية المتبعة في التعيينات الدبلوماسية، وإن كان هناك مَن يطرح إمكانية اعتماد الاستثناء في تعيين سفير جديد في واشنطن، أو إرسال سفير بمهمة، يعيّنه وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة وتصادق عليه الحكومة نظراً إلى حساسية المركز ودقته، لا سيما أن حكومة تصريف الأعمال سبق أن اتخذت قرارات مماثلة وأرسلت في الأشهر الماضية “سفراء مهمة” إلى أكثر من دولة خلا مركز السفير فيها.
أما الشخصية المرجحة لهذه المهمة فالبعض يستبعد المضي بخيار باسيل تعيين مدير مكتبه السابق هادي الهاشم سفيراً، لأن الأخير بحسب المعلومات موجود في الكويت حالياً في مهمة دبلوماسية مفتوحة، إضافة إلى أنه أقل رتبة دبلوماسية من الأسماء الأخرى المرشحة والمتوافرة في واشنطن مثل المستشار وائل الهاشم، الرقم 2 في السفارة، وهو ابن عم هادي الهاشم ومقرّب أيضاً من التيار الوطني الحر. وتؤكد مصادر دبلوماسية في وزارة الخارجية أن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو تكليف وائل الهاشم مهمة قائم بالأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة وتعيين سفير جديد للبنان في واشنطن.
في المقابل، تتحدث مصادر أخرى عن أكثر من احتمال مطروح يمكن أن يُعتمَد لحل المشكلة الدبلوماسية الناشئة، من بينها نقل المستشار هادي الهاشم من الكويت إلى واشنطن ليكون قائماً بالأعمال، لكن هذا الحل دونه عقبات بسبب علاقة الهاشم الوطيدة بباسيل وانتمائه إلى التيار، خصوصاً بعد العقوبات الأميركية على باسيل. ويمكن أن يكون الاحتمال الثاني، هو إرسال مدير الشؤون السياسية في وزارة الخارجية السفير غادي خوري ليكون سفير مهمة إلى واشنطن، لكن هذا الخيار قد يصطدم بموقف رافض من باسيل الذي ساءت علاقته بخوري أخيراً، لا سيما عندما اقترح باسيل في التشكيلات الدبلوماسية الأخيرة التي لم تبصر النور، اسم مدير مكتبه بدلاً من خوري. والمعلوم أن غادي خوري الذي كان محسوباً على باسيل، بات مقرباً أكثر من قائد الجيش جوزف عون ومن ابنة رئيس الجمهورية كلودين عون روكز، زوجة المنافس اللدود لباسيل في التيار وفي العائلة، النائب شامل روكز.
أما الاحتمال الرابع الذي يمكن اعتماده لملء شغور مركز السفير في أميركا، فيتمثل بنقل سفير حالي مشهود له بنشاطه وكفاءته الدبلوماسية من مركزه في الخارج إلى واشنطن ليكون قائماً بالأعمال هناك، كما حصل عام 2007 في ظل الفراغ الرئاسي، ومن الأسماء التي يمكن تكليفها بالمهمة، السفراء: جوني إبراهيم، فريد الخازن، قبلان فرنجية وغيرهم، وهم من السفراء الذين تخطوا مدتهم في الخارج بثلاث سنوات، وبعضهم أمضى 13 سنة أي أكثر من العشر سنوات المسموح بها قانوناً، وبات ضرورياً تشكيلهم. وفي هذه الحال يمكن لحكومة تصريف الأعمال أن تتخذ القرار على اعتباره تنفيذاً للنص القانوني، علماً أن حكومة تصريف الأعمال الحالية سبق وأقرت التشكيلات العسكرية، بالتالي يقول مصدر دبلوماسي، إنه “يمكنها أن تفعل الأمر ذاته في ملف التشكيلات الدبلوماسية، التي تكتسب أهميةً تضاهي أهمية التشكيلات العسكرية”.
تشكيلات بحجة الضرورة
لم تستبعد المصادر خياراً آخر يمكن أن يُعتمد لملء الشغور الدبلوماسي في أكثر من دولة، وهو إجراء تشكيلات دبلوماسية جديدة حتى في ظل حكومة تصريف أعمال، على أن يكون التبرير هو “الضرورة” وأهمية إطلاق عجلة العمل في البعثات الشاغرة، لا سيما أن إعادة تفعيل وزارة الخارجية في هذه المرحلة هو أولوية قصوى بالنسبة للبنان الذي يحتاج إلى تفعيل علاقاته الدولية لتأمين المساعدات اللازمة للخروج من الأزمتين الاقتصادية والمالية اللتين يعاني منهما. وتعتبر المصادر الدبلوماسية أنه في هذه الحال يمكن تعيين شخصية لتولي منصب السفير في واشنطن من خارج الملاك، كما حصل عندما تم اختيار رجل الأعمال غابي عيسى. والمعروف أن السفراء الذين يتم اختيارهم من خارج الملاك تُترك تسميتهم لرئيس الجمهورية.
وتتحدث المصادر عن سيناريو أخير يمكن أن يتم السير به لحل قضية الشغور في السفارة اللبنانية في واشنطن، عبر إيفاد رئيس الجمهورية ممثلاً شخصياً له special envoy أو ambassador at large ليقيم في واشنطن ويواكب عمل السفارة في الملفات الكبرى في حين يدير المستشار وائل الهاشم الشؤون اليومية الأخرى للسفارة.
مشكلات الدبلوماسيين بانتظار الحكومة
ليست واشنطن العاصمة الوحيدة التي سيشغر فيها مركز سفير لبنان. فإلى جانب الولايات المتحدة سيفتقد لبنان تمثيله الدبلوماسي في 10 دول هي: اليونان، الأردن، قطر، جاكارتا، سيراليون، ساحل العاج، الكونغو كينشاسا، البرازيل، الكويت، وسوريا، التي يُفترض أن يشغر مركز السفير فيها بعد عشرة أشهر. بحسب مصدر دبلوماسي في وزارة الخارجية اللبنانية، قد يكون الحل المثالي لهذه المشكلة هو إجراء تشكيلات دبلوماسية استثنائية، لتسوية الوضع القانوني لعشرة سفراء تخطوا مدة خدمتهم القانونية في الخارج، في مخالفة لنظام وزارة الخارجية ونظام المالية العامة.
واللائحة تطول لمَن تخطى بسنتين أو ثلاثة، مدته القانونية المحدَدة في نظام وزارة الخارجية بعشر سنوات للفئة الأولى وسبعة للفئة الثانية بلقب سفير. وهم سفراء الفئة الأولى في تونس، جنيف، المكسيك، سلطنة عمان، رومانيا، بريطانيا، باكستان، الصين، برن- سويسرا، هنغاريا، إضافة إلى سفراء الفئة الثانية الموجودين في اليابان، الغابون، ماليزيا، السنغال، أرمينيا، السودان، الهند، البحرين، جنوب أفريقيا، بولندا. وينتظر عدد كبير من الدبلوماسيين قرار تشكيلهم إلى الخارج من الإدارة بعدما أمضوا فيها السنوات القانونية المطلوبة، ومعظمهم أمضى ضعف المدة التي يفترض أن يبقى فيها بالإدارة.
آخر محاولة جرت لوضع تشكيلات دبلوماسية جديدة كانت في زمن وزير الخارجية السابق ناصيف حتي الذي استقال “بعد تعذر أداء مهامه” كما قال في بيان الاستقالة، داعياً المسؤولين عن إدارة البلاد إلى إعادة النظر في العديد من السياسات والممارسات، محذراً من انزلاق لبنان إلى وضع “دولة فاشلة”. يُذكر أن الوزير حتي كان يعمل بصمت على تشكيلات دبلوماسية جديدة بعيدة من التدخلات السياسية التي كانت دائماً تجعل منها “تشكيلات للمحسوبيات”، من دون أي مراعاة للأسبقية والكفاءة.