أمل طالب الساخرة …

مصطفى علوش

منذ نحو الشهر، حيث كنتُ أمضي إجازتي في البيت، ملتزماً مثل غيري قواعد الحجر الصحي والإغلاق العام في ألمانيا، عثرتُ على فقرات الكوميدية #أمل طالب، عبر فضاء اليوتيوب، وذلك ضمن برنامج الإعلامي والفنان #هشام حداد. بدأت أشاهد وأستمع وأستمتع بكل كلمة وجملة تقولها، وبين أمل وهشام كانت النكتة، والطرفة، وكان الموقف الضاحك يتنقل وينتقل بسلاسة وحبّ، فصرتُ أضحك في غرفتي، أضحك وأرفع صوت ضحكتي عالياً. ربما ضحكي الصاخب كان حاجة ومحاولة للبحث عن دفء اجتماعي وإنساني لأرواحنا المتعبة.

لكي تكون ساخراً وطريفاً، لا بد من أن تكون، في الأساس، شخصاً ظريفاً، مرحاً، ولا بد من أن تكون، في الأساس، شخصاً محباً للناس والحياة. أمل طالب، الفكاهية الساخرة، تنطلق في سردها من بيتها، من أسرتها، من عيوبها الفردية كإنسان، وخلال السرد تعبّر، وتُضحكنا على حالنا عموماً، وتجعلنا نسخر من جديتنا، من تعقيداتنا النفسية، ونسخر من مظاهر التخلف الإجتماعي العديدة التي تصبغ حياتنا.

هشام حداد، بخفة ظله وسخريته الذكية، وهو العارف بخفايا الحالة الإجتماعية وخباياها وعيوبها وكوارث الحالة السياسية اللبنانية، تمكن من جعل نفسه الشجرة التي حملت أغصان الضحك القادمة من سرد أمل طالب.

كلما استفحلت الأزمات في حياة الناس، جاءت النكتة والسخرية لتعبّر وتسخر وتحارب السلطات الاجتماعية من خلال الكلمة الساخرة.

أذكر أن طرفة عميقة الدلالة انتشرت منذ آذار من العام الماضي، قادمة من محتوى الحجر الصحي والإغلاق العام في ألمانيا، فحواها أن رجلاً يمضي إجازته السنوية في بيته، متنقلاً بين غرفة النوم والمطبخ، ويسافر داخل البيت عائداً إلى غرفة الجلوس. يسبح في حوض الإستحمام ويجلس في شرفة البيت على أنها شبيهة بالجلوس على شاطئ البحر.
في سياق قريب من تلك النكتة، ذات يوم تنهض أمل طالب مسرعة بعدما سمعت أن محطات الوقود ستغلق قريباً، فتركض متنقلة بين محطة وأخرى، وحين تصل إلى محطة لديها وقود، تكتشف أنها جاءت راجلة، مشياً، ناسيةً سيارتها في البيت.
في لبنان كما في سوريا وغيرها من بلاد الشرق، عشرات المواضيع اليومية الصالحة لتكون مادة خاما لصناعة النكتة.

أيام الحرب الاهلية في لبنان تناقلنا كسوريين نكتة سياسية مفادها: أن كلباً يعيش في لبنان يعاني من الجوع، قرر الهجرة إلى سوريا، وعلى الحدود التقى بكلب سوري فسأله عن سبب قدومه إلى سوريا، فشرح بأنه جائع ويريد تناول الطعام هنا، فرحب به الكلب وقال له تفضل. دخل الكلب اللبناني إلى سوريا، وفعلاً وجد على المزابل الكثير من بقايا الطعام. ورغم ذلك قرر بعد شهور العودة إلى لبنان. على الحدود التقى الكلب السوري نفسه فسأله الأخير: ولماذا تعود إلى لبنان؟ فأجابه، الحقيقة، هنا شبعت من العظام واللحم، ولكن ممنوع عليّ ككلب النباح، لذلك أريد العودة إلى لبنان حتى أستطيع النباح.

كما قلتُ، وجدت أمل طالب في المسألة الإجتماعية وظواهر التخلف والتأخر مادتها الخام للسخرية، فنسجت موقفها الساخر وأضحكت، وتمكنت من ملامسة العديد من الأمراض النفسية للبشر من خلال فقراتها.
بكلمات قليلة، ونحن نضحك مع أمل طالب وهشام حداد، نضحك من ذواتنا المريضة، المتعبة، المتخلفة، نضحك من عيوبنا، كما نضحك من نظام سياسي واجتماعي متسلط. وكم علينا أن نضحك من عجزنا وقهرنا! ربما ليس لدينا وسيلة تعبير سلمية مشروعة لمتابعة الحياة غير الضحك.

وصلتُ إلى ألمانيا عام 2015 وحملتُ معي طوال مسافة الطريق كتاباً أعتبره من أجمل ما قرأت، هو كتاب “الضاحكون” لمؤلفه محمد قره علي، وما زلت عبره أتصفح النكتة اللبنانية وأجد بين صفحاته مساحات للتنفس والسخرية والحياة.

المصدر : النهار