كتبت رنى سعرتي في “الجمهورية”:
بدأت تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية تنعكس على مشهد الاسواق وعادات المتسوقين. ورغم انّ ثقافة المولات انحسرت نسبياً، الّا انّها لا تزال صامدة وتكافح، من خلال ابتكار وسائل الاستمرار. في المقابل، بدأت ثقافة الاسواق الشعبية تنتشر اكثر فأكثر، خصوصاً لدى ابناء الطبقة الوسطى، الذين اقتربوا في غالبيتهم من مستوى الفقر.
مع انهيار سعر صرف الليرة وارتفاع الاسعار بشكل جنوني، أصبحت السلع والعلامات التجارية العالمية المستوردة من الخارج، متاحة فقط للطبقة الميسورة. وبعد ان فقدت الاسواق التجارية الشعبية زخمها وزبائنها في السنوات السابقة، لمصلحة المراكز التجارية التي تضمّ تحت سقف واحد عدداً كبيراً من العلامات التجارية المحلية والعالمية بالاضافة الى المطاعم والمقاهي، عادت الحركة مجدداً الى الاسواق، حيث استبدل المتسوّقون «المولات» إما بالتسوّق عبر الانترنت أو بالمحال التجارية المتواجدة في الاسواق، لأنّ الاسعار هناك لم ترتفع بالنسبة نفسها التي زادت فيها في المراكز التجارية.
ورغم أنّ معظم البضائع في المحال التجارية او عبر الانترنت مستوردة أيضاً من تركيا او الصين وغيرهما، إلّا انّ أسعارها تبقى أقلّ كلفة من أسعار العلامات التجارية في «المولات»، والسبب يعود الى انّ الكلفة التشغيلية للمحال التجارية في «المولات» أكبر بكثير من غيرها من ناحية الايجار والصيانة، بما يحتّم رفع الأسعار لضمان استمرارية العمل. بالاضافة الى ذلك، فإنّ العلامات التجارية العالمية المعروفة والمتواجدة في المولات فقط (…ZARA, MANGO, H&M) كانت في السابق ضمن القدرة الشرائية لشريحة كبيرة من المواطنين، إلّا انّها اليوم ومع تراجع سعر صرف الليرة، باتت تستهدف طبقة معينة من المتسوّقين، وتراجع بالتالي حجم اعمالها بشكل لافت، مما اضطرها الى إقفال عدد من فروعها او الإبقاء على فرع واحد، في حين خرج عدد كبير من العلامات التجارية العالمية بشكل كامل من السوق اللبنانية.
وقد انعكس هذا الامر ايجابياً على الاسواق التجارية والمحال، وعزّز التسوّق عبر الانترنت، حيث الكلفة التشغيلية من ايجارات ورسوم وضرائب، ما زالت تُحتسب وفقاً لسعر الصرف الرسمي (1515 ليرة)، بالاضافة الى انّ نوعية السلع والبضائع المعروضة، مختلفة عن نظيراتها في المراكز التجارية.
في هذا الاطار، أكّد عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمال لـ«الجمهورية»، انّ روّاد المراكز التجارية ينتمون الى الطبقة الوسطى التي لم تعد موجودة واصبحت تنتمي الى الطبقة الفقيرة، وبالتالي فقدت المراكز التجارية جزءاً كبيراً من المستهلكين الذين توجّهوا نحو الاسواق والاماكن المفتوحة التي كانت شبه عاطلة من العمل في السنوات الاخيرة، مشيراً الى انّ تلك الاسواق عادت لتنتعش اليوم، كون اسعارها تتناسب اكثر مع القدرة الشرائية المحدودة لشريحة كبيرة من المجتمع.
واعتبر رمّال، انّ هذا الوضع سيؤدّي الى تراجع عدد المراكز التجارية التي انتشرت في الفترة الاخيرة في كافة المناطق اللبنانية، لمصلحة انتعاش الاسواق التجارية والاماكن المفتوحة.
ولفت الى انّ الحركة التجارية خلال الاعياد كانت افضل من الاشهر السابقة التي شهدت حالة تعبئة عامة واقفالاً تاماً، «إلّا اننا لم نشهد حركة العيد المعهودة، حين كانت تزيد نسبة الإنفاق بشكل لافت»، مقدّراً نسبة التراجع في حجم المبيعات بـ90 في المئة عن السنوات السابقة.
من جهته، أوضح رئيس جمعية تجار الأشرفية أنطوان عيد لـ«الجمهورية»، انّ الاسواق التجارية شهدت ارتفاعاً في حجم المبيعات مقارنة بالشهر الماضي، «إلّا انّها تبقى متراجعة بشكل كبير، نسبة للحركة الطبيعية المفترض ان نشهدها خلال فترة الاعياد»، مشيراً الى انّ الحركة تراجعت مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، رغم انّ تلك المرحلة شهدت اندلاع الثورة، بنسبة 15 الى 30 في المئة وفقاً للاسعار بالليرة اللبنانية، «أما في ما يتعلّق بالاقتصاد المدولر، فإنّ المبيعات تراجعت بنسبة 70 في المئة مقارنة بالعام الماضي».
وعمّا اذا كانت ولّت ثقافة المراكز التجارية، اعتبر عيد انّ «الكورونا» ساهمت في إحجام المتسوّقين عن التوجّه الى المراكز التجارية واستبدلتها بالمحال التجارية تخوّفاً من الاكتظاظ، بالاضافة الى انّ اسعار العلامات التجارية في «المولات» تُحتسب على سعر صرف الدولار، مما يجعلها خارج القدرة الشرائية لمعظم المواطنين. ولفت الى انّ المراكز التجارية تحتاج الى حركة تجارية وسياحية كبيرة من اجل استمراريتها، موضحاً انّ تداعيات الأزمة أصابت كافة القطاعات وليس فقط المراكز التجارية التي على عكس السنوات الماضية، لم تشهد حركة كثيفة خلال فترة الاعياد لمصلحة الاسواق التجارية المفتوحة.
بدوره، وصف رئيس جمعية تجار الحمرا زهير عيتاني حركة التسوّق في شارع الحمرا بـ»المقبولة»، مؤكّداً لـ «الجمهورية»، انّها افضل من العام الماضي، بسبب تواجد عدد كبير من السياح العراقيين والمصريين بشكل لافت، وبقدرة شرائية عالية، مما فعّل الحركة في المحال التجارية في المنطقة، معتبراً انّ استبدال المتسوّقين المراكز التجارية بالاسواق ساهم أيضاً في تعزيز أعمال المحال التجارية، متمنياً ان تستمرّ هذه الحركة «التي شهدناها خلال فترة الاعياد».
المراكز التجارية مستمرّة!
في المقابل، أكّد المدير التنفيذي لشركة ACRES DEVELOPMENT التي تدير مراكز LE MALL التجارية جورج كمال، انّ مبيعات المراكز التجارية مع ارتفاع الاسعار بالليرة اللبنانية، زادت بنسبة تتراوح بين 200 و300 في المئة مقارنة بالعام الماضي، «وبالتالي فإنّ المردود المالي بالليرة تضاعف بنسبة 200 في المئة في مقابل ارتفاع اجمالي الكلفة التشغيلية بنسبة 100 في المئة، إلّا انّ حجم المردود المالي نسبة لحجم الاستثمار بالدولار تراجع بنسبة كبيرة.
وشدّد كمال على انّ المراكز التجارية لا تعاني من مشكلة الاستمرارية حالياً، نظراً لأنّ كلفتها التشغيلية لم ترتفع بالنسبة نفسها لارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء، حيث انّ رواتب الموظفين وكلفة الكهرباء وغيرها من الامور ما زالت تُسدّد وفقاً لسعر الصرف الرسمي.
ورأى انّ العلامات التجارية في المراكز قادرة على الاستمرار، لأنّ الطلب عليها ما زال قائماً من قِبل الطبقة الميسورة، التي اصبحت اليوم من ضمن الطبقة المتوسطة، والتي استبدلت وجهة تسوّقها من العلامات التجارية العالمية الفاخرة الى العلامات التجارية المتواجدة في «المولات»، «والدليل على ذلك اننا نشهد اليوم متسوقين جدداً للمراكز التجارية، وبقدرة شرائية اكبر من الطبقة المتوسطة القديمة».
واكّد كمال انّ الحركة التجارية في «المولات» خلال فترة الاعياد كانت جيّدة جداً، وقد ارتفع حجم المبيعات بالليرة منذ أيلول بنسبة 70 في المئة، تشرين الاول بنسبة 100 الى 150 في المئة، تشرين الثاني 200 في المئة وصولاً الى كانون الاول بنسبة 250 الى 300 في المئة، مشيراً الى انّ السوق تتأقلم تدريجياً مع غلاء المعيشة.
وردّا على سؤال، شدّد على انّ ادارات المراكز التجارية اجتمعت مع المستأجرين وتوصّلت الى توافق بينهما على تخطّي الأزمة بأقل كلفة، حيث تمّ تعديل نظام الايجارات السنوية التي باتت تُحدّد وفقاً لنسبة معيّنة من حجم المبيعات وبالليرة اللبنانية وفقاً لسعر الصرف الرسمي وليس بالدولار.