عيد الميلاد اصبح شجرة ردم وجوهرجي براد السوبرماركت

في بيروت عيد الميلاد كئيب هذا العام. ليست الزينة، العامة والخاصة، والمكلفة أساساً سبباً وحيداً في كآبة المشهد الميلادي في المدينة، بل حتى أرواح الناس ونفوسهم وهم يتنقّلون في الشوارع ثقيلة. إن تنقّلوا، يسارعون للرحيل. يعودون إلى عتمة بيوتهم الكئيبة حتى يهربوا من المشهد الكئيب خارجاً. زينة المنازل، التي عادةً ما كان تطلّ على الشوارع بتبدّل ألوان شريط الإضاءة الميلادية، نادرة. وإن أنيرت تبقى باهتة. نغمة “جينغل بيلز” و”ليلة عيد”، إن خرجت من محل تجاري أو محل صغير في شارع فرن الشباك، تخرج منغوصة. إما لقدمها أو لشحّ في الطاقة. في الشوارع، تغيب أزياء بابا نويل. فعادة هو يأتي بصبحة الزينة. هذا العام، لا قدرة على تحمّل كلفة توظيفه لاستقطاب الزبائن. لا زبائن، فلا هدايا إلا تلك الرمزية. سعر رزمة من البطاريات الصغيرة، لتشغيل لعبة أو دمية أو سيارة إلكترونية 32 ألف ليرة. هذا مصروف غير منطقي لهدية معقولة ومنطقية لطفل.

جزر ميلادية
في ساسين، قرية ميلادية على شكل جزيرتين فتحت أبوابها قبل أسبوعين تقريباً. مجسّم لقرية ومنازل في شجرة ميلادية مزيّنة ومضاءة على الجزيرة الأولى. وأكشاك لبيع أعمال يدوية ومنتجات منزلية وحرفية على الجزيرة الثانية. مبادرة تشجيعية فريدة من نوعها في بيروت، لا يزورها إلا قلّة نهاراً وليلاً. جزيرتان تدور بينهما عائلات بعشرة دقائق. تجول فيهما، في فسحة مطلوبة ومتنفّس صغير لتمرير وقت أعياد لن يمضي بسهولة. حتى الزحمة في محيط الشارع التجاري في الأشرفية ومجمع ABC أقل من عادية. وفي الأخير، قلّة أيضاً تحمل أكياس التبضّع. أسواق باتت معدّة للمشي. أسواق للفرجة، على أغلب الأحيان، كما حال اللبنانيين عمومواً إن أرادت الشعوب الأخرى استنباط مصير شعب فشلت دولته وانهارت.

زينة الردم
من ساسين، نزولاً إلى الجميزة حيث لا تزال آثار جريمة 4 آب ماثلة بمبانٍ قيد الترميم وأخرى محجوبة بعوازل. ارتأت الدولة ممثلة ومؤسسات من المجتمع المدني وضع شجرة للميلاد في الجميزة وأخرى في مار مخايل أمام شركة كهرباء لبنان. في الجميزة، ارتفعت شجرة من ردم مبانٍ مدمّرة جراء تفجير المرفأ. جذعها، “أباجور” وشباك محطّم وسلّة مثقوبة وردم. يراد أن نصدّق أنه، على الرغم من الموت الذي طاف في هذا الشارع منذ آب الماضي، وعلى الرغم من الدمار ومن الأزمة المالية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، يجب أن نفرح وتستمرّ حياتنا وأعيادنا. يراد لنا، كما لغة العنفوان في الأغاني الوطنية، أن ننهض من تحت الردم. أن نصنع منه زينة، عملاً مركباً أو تنصيبة.

جوهرجي جبن وجامبون
بعيداً عن تنصيبات الفن المعاصر والعيد، في السوبرماركت أجواء أخرى. هنا لا شيئ بأقل من عشرة آلاف ليرة، وإن وُجد سعر مماثل تكون الرفوف المخصصة له فارغة. “بوش”، غير متقنة مشبّعة برداءة الكريما، بسبعين ألف ليرة، أي أكثر من 10% من الحدّ الأدنى للأجور. على براد الجبن الفرنسي والجامبون، موظف تحوّل إلى جوهرجي. “وقيّة مدام”، يسأل الموظف، وتجيب سيدة “ستّ شرائح عمول معروف”. منطقياً، شريحة لكل واحد من أفراد الأسرة. 0.04 كليوغراماً بـ11 ألف ليرة. وآخر، 0.035 كليوغراماً بـ13 ألف ليرة. حبشة، مطهية مع متمّماتها بـ750 ألف ليرة. لكن السوبرماركت، كما غيره من الأماكن التجارية في بيروت، بات معرضاً للفرجة والتنزّه. وأغلب الزبائن، بدل أن يجرّوا عربة للتسوّق يحملون سلة بأيديهم. يشيرون نحو صندوق المحاسب ببطء، كأنهم منساقون إلى حفل إعدامهم.

لكن لا همّ، في المساء، حول طاولة عائلة قسّمتها إجراءات فيروس كورونا وأفرغتها أسعار السلع والمواد الغذائية، سيرفعون نخب النجاة والأمل بحياة جديدة مع ولادة يسوع المسيح.

نخب هذا العام، أمل بحياة جديدة أفضل خارج هذه البلاد.
ينتظر اللبنانيون، أغلبهم، اتصالاً من شركة أجنية أو رسالة إلكترونية من سفارة تفتح لهم باب زنزانتهم التعيسة. ولا هدية ميلادية أحلى من هذه، علّهم يخرجون من بلاد “الماد ماكس” التي تحكمها عصابة متلوّنة بألوان شريط ميلادي.
المصدر : المدن