تقرير فرنسي: وصاية دولية على لبنان تنتظر توافقاً أممياً

كتب منير الربيع في “المدن”:
لم يعد لبنان أهلاً لحكم نفسه بنفسه. وهذه خلاصة توصلت إليها دول عدة مهتمة بالأزمة اللبنانية. حتى فرنسا التي تقدّمت بمبادرة لحلّ هذه الأزمة، فقدت الأمل في الطبقة السياسية القائمة وفي النظام القائم.
وصاية دولية مؤجلة
في أحد التقارير الفرنسية التي تصف واقع لبنان، ترد عبارة “لبنان دولة فاشلة”. وجزء من هذا التقرير وصل إلى الأمم المتحدة. وهو يشخّص الوضع اللبناني المأسوي، مشيراً إلى ضرورة إيجاد صيغة دولية للتعاطي مع ما كان يسمى دولة لبنانية، فقدت كل مقومات بقائها وقدرتها على إدارة شؤونها.
وحسب المعلومات، اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش أنه من المبكر وصف لبنان بالدولة الفاشلة، ولا بد من إفساح المجال لاحتمالات الإصلاح، لأن قراراً أو توافقًا بين القوى الدولية الكبرى غير متوفر حتى الآن، لإعلان وصاية دولية على لبنان.
ليبيا والعراق مثالاً
مقارنة بالدول التي شهدت حالات مماثلة في منطقة الشرق الأوسط، نجد أن التدخلات فيها حصلت على الصعيد الإقليمي وليس الدولي. ففي ليبيا مثلاً اتخذت الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي قراراً بالتدخل العسكري للإطاحة بالقذافي. مُرِّرَ التدخل في مجلس الأمن، من دون فرض وصاية دولية. لكن الدول التي تحكمت لاحقاً بالمسار الليبي هي دول إقليمية.
في العراق أيضاً، الدول الفاعلة إقليمية. وكذلك في سوريا واليمن. أما لبنان فتُصرّح حوله أسئلة كثيرة، وهناك اتجاه لفرص وصاية دولية برعاية الأمم المتحدة. لكن هذا غير متاح لعدم توفر التوافق الدولي. وهو أمر يحتاج إلى قرار تحت الفصل السابع، غير متوفر أيضاً.
توقيت حزب الله الحكومي
وغداً، يتوجه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري إلى بعبدا، فيلتقي رئيس الجمهورية من دون أي توقعات بتسجيل خرق جدي وإيجابي في عملية تشكيل الحكومة. الاستعصاء الداخلي مستمر وقائم. فيما السؤال الأساسي الداخلي المطروح هو: متى يتدخل حزب الله للضغط على الحلفاء والخصوم، ودفع عملية تشكيل الحكومة قدماً.
وتشير التقديرات إلى أن حزب الله يريد تمرير الأيام المتبقية من ولاية دونالد ترامب بحد أدنى من الخسائر. فيما تبدأ ذروة الضغط الأميركي ضد حزب الله وإيران في 6 كانون الثاني، وتستمر حتى العشرين منه. ففي هذه المدة يكون ترامب متحرراً من أي مساءلة أو محاسبة، بناء على بعض إجراءات الكونغرس. والمدة هذه هي الأشد خطورة، وحزب الله يريد تمريرها. وبعدها يتدخل لتشكيل حكومة تلائمه.
السؤال الآخر المطروح داخلياً، هو تقاذف كرة المسؤولية عن رفع الدعم، بين حسان دياب الذي يحاول تأجيل هذه الإجراءات في انتظار مجيء الحكومة الجديدة، وبين تباطؤ الحريري في تشكيل حكومته، كي لا تنفجر إجراءات رفع الدعم والتظاهرات في الشارع بوجهه.
اضطراب أمني
السيناريوهات التي تنتظر البلاد بالغة الخطورة، إذاً:
هناك من يدقق حساباته وينتظرجلاء المواقف الدولية وما يمكن أن ينتج عنها. وهناك من يضع سيناريو متكاملاً للواقع اللبناني المقبل: رفع الدعم، سقوط الدولار الطلابي، تظاهرات وتحركات شعبية في الشارع، وتفلت أمني.
على مقلب آخر تستمر الحروب السياسية بين القوى المختلفة بذريعة قضائية حول ملفات كثيرة. وهذا يفاقم التوتر والتفلت الأمني. وقد تنجم عن ذلك اشتباكات وأوضاع أمنية مضطربة. وهكذا يختل الاستقرار الأمني، بعد فقدان الاستقرار الاجتماعي والمالي. وعندها تتكاثر مبررات التدخل الدولي.
الوصي الفرنسي؟
لكن لا أحد يجزم في إمكان حصول وصاية دولية على لبنان برعاية الأمم المتحدة. ثمة دول غربية وإقليمية عدد تطمح للعب دور الوصي، من بينها فرنسا التي تعتبر أن لبنان وليدها وصناعتها، وهي غير مستعدة للتخلي عنه، وتريد استمرار نفوذها في الشرق الأوسط انطلاقاً من لبنان. وهذا هو هدف باريس الاستراتيجي عندما تقدمت بمبادرتها اللبنانية، ولن تتخلى عنها. ورسالتها التي تعتبر لبنان دولة فاشلة تصب في هذا السياق: تراهن باريس على توافق دولي يسلم بدورها. فهي دولة أوروبية، علاقتها جيدة مع واشنطن وإيران، والدول العربية تفضلها لأنها في مواجهة مع تركيا.
إيران والإفلاس الشامل
في المقابل، هناك قناعة دولية أخرى بأن لا حل في لبنان من دون اتفاق أميركي – إيراني، يرسم أسس التفاهم على كيفية إدارة الوضع اللبناني، بعد تكثيف الضغوط الأميركية على طهران وحلفائها.
طهران تطمح لأن تستعيد لعب دور حافظ الأسد في لبنان بناء على اتفاقها مع الأميركيين، وإدارتها حزب الله، القوة الأبرز على الساحة اللبنانية. لكن هذا يحتاج إلى وقت طويل وإلى مزيد من الانهيار والوصول إلى الإفلاس اللبناني الشامل.
ألمانيا وإيران
وإلى جانب الطموح الإيراني، برز في المدة الأخيرة دور أوروبي واسع على الخط اللبناني بقيادة ألمانيا، في محاولة لمواكبة المبادرة الفرنسية واحتوائها.
وتقول معلومات إن ألمانيا تشدد على وجوب تجديد المفاوضات الجدية حول الاتفاق النووي الإيراني، وعدم العودة إليه كما كان سابقاً. وألمانيا صنفت حزب الله تنظيماً إرهابياً بشقيه العسكري والسياسي. وهناك تأكيدات ألمانية بأن العام 2021 هو عام التفاوض الجدي على النفوذ الإيراني في المنطقة، وخصوصاً حلفاء إيران، حزب الله ونفوذه في لبنان وسوريا.