خسر مصطفى الصفار (اسم مستعار) 400 ألف دولار في يوم واحد، بعد قرار البنك المركزي العراقي ووزارة المالية خفض قيمة العملة المحلية أمام الدولار بنحو 20 في المئة، في قرار وصفه الكثيرون بالمفاجئ و”سيء التوقيت”.
الصفار الذي طلب عدم كشف اسمه الحقيقي قال لموقع “الحرة” إن البنك المركزي العراقي احتسب الأسعار الجديدة للدولار على الصفقات القديمة لشراء العملة، مما سبب خسائر كبيرة للبنوك وشركات الصيرفة التي يمتلك الصفار أحدها، “قد تصل خسائرنا إلى ملياري دينار عراقي تقريبا”، يضيف الصفار الذي أكد أنه “لا يمكن أن يصدر قرار مثل هذا في ليلة وضحاها، هذا يذكرنا بسياسات صدام المالية العشوائية، كان يجب أن يحضروا السوق لهذا القرار قبل أشهر”.
وتقول الحكومة العراقية إن قرار تغيير سعر صرف الدينار العراقي من 1190 دينار للدولار الواحد إلى 1450 دينارا “ضروري للإصلاح الاقتصادي” وأن “السبب في تدهور الاقتصاد يعود إلى سنوات من السياسات الخاطئة” بحسب بيانين لوزارة المالية والبنك المركزي العراقيين.
“مشكلة التوقيت”
ويقول الخبير العراقي في الشؤون الاقتصادية، منار العبيدي، إن “المشكلة الأبدية في العراق وخصوصا في الجانب الاقتصادي هي في التوقيت الذي يؤخذ فيه القرار”، مضيفا لموقع “الحرة” أن “الأزمة سببها التوقيت المفاجئ للقرار، بغض النظر عن النقاط الإيجابية أو السلبية لعملية تغيير معدل الصرف”.
ويعتقد العبيدي أن تأثير خفض العملة سيكون سلبيا في بداية المرحلة، والتي “ستستمر لستة أشهر أو سنة”، وبعدها “ستساهم في تحسين الناتج المحلي من القطاعات المختلفة كالقطاع الصناعي والزراعي والخدمي، لأنها ستزيد نشاط هذه القطاعات”.
وبحسب العبيدي فإن العراق مهيأ لنمو القطاع الاقتصادي كما أن “البنية التحتية لا تحتاج أكثر من بيئة تنافس، لإعادة إحياء مئات المشاريع الموجودة، لكنها متوقفة أو لا تعمل بكل طاقتها الإنتاجية نتيجة سيطرة المنتج المستورد على السوق المحلي”.
وقال مصدر مطلع من داخل الحكومة العراقية لـ “موقع الحرة” إن “انخفاض سعر النفط، وتأثير جائحة كورونا شجع الحكومة على اتخاذ القرار الصعب” بحسب وصفه.
وأضاف المصدر الذي طلب عدم كشف اسمه أن “الخطة الحكومية قائمة على فرضية أن خفض قيمة العملة العراقية سيجعل السلع المستوردة أغلى سعرا، ويمنح السلع العراقية المصنوعة محليا قدرة على المنافسة مما ينمي الاقتصاد بعد وقت”.
وبحسب المصدر، الذي شارك في نقاشات موازنة عام 2021 فإن “النفقات العراقية التشغيلية الكبيرة بالدينار ستنخفض قيمتها الحقيقية مما يؤدي إلى توفير أموال ضرورية يحتاجها العراق”، مضيفا أن “الحكومة لا تزال تدعم الدينار العراقي من خلال مزاد العملة لكن الدعم قل”.
الصناعة العراقية
وفي الحقيقة، يقول صناعيون عراقيون أن الحديث عن أن قرار خفض قيمة العملة العراقية سيؤدي إلى تشجيع الصناعة المحلية “مفرط في التبسيط”.
ويقول الصناعي العراقي، معتز كمونة، لـ “موقع الحرة” إن “الصناعة تحتاج بنى تحتية من كهرباء ومجاري وخطوط مياه وخطوط نقل وتسهيلات استيراد وتصدير، وهذه كلها غير متوفرة”.
ويضيف أن “المواد الأولية ارتفعت قيمتها بعد خفض قيمة الدينار لأنها مستوردة، مما يعني ارتفاع الكلف كما أن سنوات العطالة الصناعية العراقية أفقدت العراق ميزة مواكبة الدول الأخرى تكنولوجيا ودمرت البنى التحتية القديمة”.
وبحسب كمونة فإن الدولة العراقية “كانت تدعم الاستيراد لسنوات طويلة في حين أنها كان يجب أن تستثمر بتوفير البنى التحتية والمواد الخام من أجل دفع الصناعة العراقية إلى الأمام والسيطرة على نزف العملة الصعبة”.
ويشير كمونة أيضا إلى “سيطرة الميليشيات والجماعات المسلحة على السياسة والاقتصاد والسلاح مما يمنحها فرصة كبيرة للمنافسة ويحرم الصناع العراقيين من أي ميزة”.
ويقول العراقي، محمد المعموري، وهو مستثمر زراعي من بغداد إن “الحكومة دعمت استيراد المواد الزراعية وأهملت دعم الزراعة المحلية”، مضيفا لموقع “الحرة” أنه لا “يمكن أن تقوم زراعة عراقية كافية لتعويض الارتفاع بأسعار العملة في أشهر قليلة، الموضوع يحتاج لسنوات واستثمارات كبيرة”.
ويقول الخبير الاقتصادي العراقي، حسن الأسدي، إن “ارتباط خفض العملة بتحسين الصناعة المحلية صحيح في الدول الصناعية التي تنخفض أسعار بضائعها المصنعة مع خفض عملتها مما يشجع تصديرها”.
ويضيف الأسدي لموقع “الحرة” إن “خطوة خفض قيمة العملية العراقية كان يجب أن تكون مرافقة لخطوات أخرى، وليس مجرد تصريحات لترقيع الأزمة لأن العراق ليس بلدا صناعيا تصح فيه فكرة خفض العملة لدعم الصناعة بسبب غياب الإطار القانوني والبيئة الاستثمارية”.
ويعتقد الأسدي أن “قرار وزارة المالية الأخير سيوفر نحو 13 أو 14 ترليون دينار عراقي إضافية لتغطية الرواتب”، متجاهلة انخفاض قيمة هذه الرواتب.
سيناريوهات مقبلة
ويعتقد الخبير الاقتصادي العراقي، حسن شوكت، أن “الحكومة اتخذت جزء من القرار الصحيح في وقت خطر للغاية”.
وأضاف لـ “موقع الحرة” أن “هذا القرار كان يجب أن يتخذ في عام 2003 لتشجيع الاكتفاء الذاتي والعمل في الوقت الذي تمتلك فيه الحكومة أموالا لإعانة الفئات المتضررة حتى تتحرك عجلة الاقتصاد”.
ويعتقد شوكت أن “الظروف الحالية غير مهيأة لمثل هذا القرار”، مستدركا “لكنه نتيجة حتمية لم تتمكن الحكومة العراقية من تلافيها بسبب أخطاء في السياسة الاقتصادية طوال سنوات طويلة”.
وبحسب شوكت فإن العراق على الأرجح سينزلق في دوامة انهيار اقتصادي كبيرة تستمر لسنوات قبل أن يستعيد الاقتصاد توازنه، وهذا أمر “محفوف بالمخاطر في بلد مسلح وغير مستقر مثل العراق كانت الرواتب التي تدفعها الدولة أحد أهم عوامل استقراره النسبي”.
كما أن “استقرار أسعار النفط أو ارتفاعها قد يمكن الحكومة من اتخاذ إجراءات تخفيفية لتبعات هذا القرار على المواطنين في حال كانت جادة بتقديم المساعدة، أو يمكن تخصيص قروض دولية لدعم الصناعة المحلية”، لكن “هذا السيناريو يواجه عقبة الفساد التي أوقفت كل الحلول الاقتصادية الممكنة سابقا وقد توقفها حاليا”، بحسب شوكت.
ويقول شوكت إن “السيناريو الثالث هو أن يعود أصحاب رؤوس الأموال إلى العراق للاستثمار فيه مستفيدين من انخفاض قيمة العملة، لكن تحقيق هذا السيناريو صعب لأن الأموال المطلوبة هائلة، والوضع الأمني وسيطرة الميليشيا تجعل أي مستثمر يفكر عدة مرات قبل الدخول إلى العراق”.
الحرة