ماذا لو بقي الحريري “مكلَّفاً” حتى “آخر العهد”؟!

بعد “حرب البيانات” الأخيرة بين بعبدا وبيت الوسط، لم يعد ثمّة مجالٌ للمراوغة أكثر. الأمور باتت واضحة، “وعلى المكشوف”، والثابت فيها أنّ الحكومة “مفقودة” حتى إشعارٍ آخر، شأنها شأن “الكيمياء” بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلَّف سعد الحريري.

 

ثمّة من فسّر “الخلاف الناريّ” بين الرجليْن، على أنّه إعلان “قطيعةٍ جديدة”، بعدما ثبُت أنّ لا إمكانية لإصلاح “ذات البيْن” بينهما، في أعقاب اللقاء الأخير الذي جمعهما في قصر بعبدا، والذي صُوّر هادئاً وعقلانيّاً وواعداً، ولكنّه كان في الواقع متفجّراً، وقد أتت التشكيلة التي قدّمها الحريري خلاله، بمثابة “فتيل التفجير” الذي قد يطيح بكل شيء.

 

وانطلاقاً من هذا “التفسير”، تبرز “الخشية” التي يعبّر عنها المعنيّون بالشأن الحكوميّ والمطّلعون على دهاليزه، من أن يكون الخلاف المستجدّ عنواناً لـ “معركةٍ طويلة الأمد”، يهيمن فيها “الفراغ” على ما عداه، على وقْع رفض الطرفيْن المتنازعيْن تقديم أيّ “تنازل”، في ظلّ خيارٍ يبدو “مرجَّحاً” يقوم على بقاء الحريري رئيساً “مكلَّفاً”، وفق ما يتيحه الدستور.

المخطّط واضح!

لا يتردّد خصوم رئيس الجمهورية، ومن خلفه رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، في تحميل الرجليْن المسؤوليّة الأولى، وربما الأخيرة أيضاً، في “التأزّم” الحكوميّ الحاصل، بإصرارهما على “عرقلة” مهمّة الحريري، تارةً من أجل وزير بالزائد يضمن “الثلث المعطّل”، وطوراً بناءً لعوامل “شخصيّة”، ناجمة عن رفض الحريري التواصل مع باسيل.

 

 

بالنسبة إلى هؤلاء، فإنّ “المخطّط واضح” منذ البداية، فعون وباسيل لا يريدان للحريري أن ينجح في تشكيل حكومة، من دون تأمين “المقوّمات” الضروريّة واللازمة، وهذه المقوّمات عبارة “ملطّفة” للإشارة لاشتراطهما “إحياء” التسوية الرئاسيّة، أو الوصول إلى “تسوية جديدة” مشابهة، تكون “خريطة العمل” المشترك الذي لا بدّ للطرفين من أن يخوضاه في المرحلة المقبلة، إذا ما قُدّر لحكومة الحريري أن تبصر النور.

 

أكثر من ذلك، هم يذكّرون بـ “النداء” الشهير الذي أطلقه عون عشيّة الاستشارات النيابية، لثني النواب عن تسمية الحريري، للقول إنّ “النيّة” بعدم السماح للأخير بالمضيّ إلى الأمام في تشكيلته لم تستجدّ بين ليلةٍ وضُحاها، بل هي “نيّةٌ متجذّرة” منذ أصل التسمية، ولم ينجح الرئيس بانفتاحه الإلحاقيّ على الحريري المكلَّف، ولا باسيل بمرونته المدّعاة، في حجبها أو إخفائها عن الأعين المترصّدة والمراقبة منذ اليوم الأول.

 

أين “المصلحة”؟!

لكن، إذا تمّ التسليم جدلاً بهذه الفرضيّة، يصبح السؤال مشروعاً عن “مصلحة” العهد من بقاء الأمور على حالها، خصوصاً أنّ الدستور لا “يقيّد” الحريري بأيّ مهلةٍ زمنيّةٍ لتشكيل حكومته، وبالتالي إذا لم يقدم من تلقاء نفسه على “الاعتذار”، الأمر المُستبعَد حتى الآن، فإنّه يستطيع البقاء رئيساً مكلَّفاً حتى “آخر العهد”، أو حتّى إجراء انتخاباتٍ نيابيّةٍ جديدة، لا يريدها “العهد” كذلك حالياً، وفق ما تؤكد المعطيات.

 

يرى خصوم “العهد” أنّ “رهان” الأخير هو بالتحديد على أن “يستسلم” الحريري، و”يعتذر” عاجلاً أم آجلاً عن استكمال المهمّة، كما فعل السفير مصطفى أديب قبله، بعدما اصطدم بالشروط نفسها التي يواجهها الحريري اليوم، أو أن “يرضخ” بشكلٍ أو بآخر، فيدخل في “التسوية”، علماً أنّ “الضغوط” عليه التي بدأت منذ فترة، قد تتكثّف في الفترة المقبلة، لتحميله مسؤولية “الشلل” الحاصل، وتفويت فرصة “الإنقاذ” على البلاد والعباد، بتمسّكه بموقعه من دون تقديم أي مبادرة تُذكَر.

 

وإذا كان المقرّبون من الحريري ينفون أيّ نيّةٍ لديه، حتى إشعارٍ آخر، للاعتذار، لإدراكه أنّه لن يكون حلاً، بل سيعقّد الأزمة أكثر، فإنّ المحسوبين على “العهد” يعتبرون ذلك “دليلاً كافياً” على أنّ ما يحصل ليس من مصلحة “العهد”، الذي يريد حكومة أصيلة اليوم قبل الغد، تحقّق “الأجندة الإصلاحيّة”، ولو كان بعض هؤلاء يعتبرون “الفراغ” أفضل من حكومةٍ لا تكافح الفساد، وفق استراتيجيّة “التيار”، وبالتالي لن تكون قادرة على الإنقاذ الحقيقيّ.

 

من الباب الدستوريّ، يمكن أن يبقى الحريري “مكلَّفاً” حتى “آخر العهد”، لكنّه أمرٌ لا يبدو لصالح الرجل، ولا لصالح “العهد”، ولا لصالح البلد الغارق على ما يبدو في “متاهاتٍ” لا ناقة له فيها ولا جمل، في وقتٍ قد يكون “الانهيار” أسرع من الجميع، بحيث لا ينتظر “نهاية العهد” أصلاً، وهو “سيناريو” أكثر من واقعيّ، كما يؤكّد العارفون…

المصدر : lebanon 24