كتب أنطوان الفتى في “أخبار اليوم”:
بمعزل عن آفاق التوقُّعات المستقبلية المتعلّقة بمصير ملف التدقيق الجنائي، فإن لا ملموسات تُفيد بأن الأزمة الإقتصادية – المالية اللبنانية ستدخل دائرة الفرج، ولو بالمدى المتوسّط، وذلك رغم التحضير لمرحلة خروج الرئيس الأميركي دونالد ترامب من “البيت الأبيض” في 20 كانون الثاني القادم.
عذابات
فالتلاعُب بسعر الدولار كان سياسياً في أساسه، وهو ما لا شيء يؤكّد أنه سيصل الى خواتيم سريعة، بعد تربُّع الرئيس الأميركي المُنتَخَب جو بايدن على عرش السلطة الأميركية. فلا عاقل يظنّ أن أزمة لبنان الإقتصادية والمالية لن تكون مادّة على طاولة المفاوضات الإقليمية، وتحديداً بين الأميركيين والإيرانيين والنّظام السوري، وهو ما سيزيد من العذابات المعيشية والإجتماعية اللبنانية، الى أَجَل غير محدَّد كما يبدو.
أوضح خبير في شؤون الشرق الأوسط أن “أزمة الدولار في لبنان كانت سياسية فقط، حتى آذار عام 2020. ومنذ ذلك الوقت، تحوّلت لتُصبح سياسية – نقدية. وحتى إن السوق السوداء التي تسيطر على سلوك المواطن اللبناني، وعلى الإقتصاد، هي سياسية بامتياز في المضاربات التي تحصل فيها، وذلك رغم أن حجمها لا يزال صغيراً جدّاً، حتى الساعة”.
وأشار في حديث الى وكالة “أخبار اليوم” الى أن “تصحيح وضع الدولار بات صعباً جدّاً اليوم، نظراً الى حجم الخسائر الإقتصادية والمالية، ولا سيّما بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الفائت”.
ولفت الى أن “لا وجود لسوق إقتصادية في لبنان حالياً، من الناحية العملية. فيما يبقى الإعتماد على مصرف لبنان لضخّ الدولار في السوق الرسمية، في وقت تظهر فيه مؤشّرات تصعيدية من قِبَل الإدارة الأميركية الحالية تجاه المصارف اللبنانية، للمرحلة القادمة، لن تتوقّف قبل 20 كانون الثاني القادم على الأقلّ. وكل ما سيأتينا من دولارات من الخارج مستقبلاً، سوف يكون من دولارات المغتربين، ومن بعض عمليات التصدير، أو على سبيل مساعدات دولية، والتي من ضمنها ما سيقدّمه المؤتمر الإنساني الذي تعقده فرنسا بعد يومَيْن. ولكن الأخيرة لن نحصل عليها “كاش”، بل على شكل بضائع وسلع”.
“مافيات”
وشدّد الخبير على أن “دولارات المغتربين تنتظرها “مافيات” السوق السوداء، للحصول عليها، وإعادة ضخّها في الإقتصاد بطُرُق غير شرعية، لا سيما بوجود عطل في الرقابة الرسمية على تلك الأمور”.
وأضاف:”إغتيال العالِم النووي الإيراني محسن فخري زاده، هو إشارة تصعيدية ستنعكس تلقائياً على لبنان بحُكم الترابط بينه وبين إيران ومحور “المُمَانَعَة”. فإبقاء إمكانية التصعيد على الطاولة، بسبب هذا التطوّر، في شكل مُستدام، سيؤثّر سلبياً على الدولار في لبنان. فهو سيخفّض ثقة السيّاح بالقدوم إليه (لبنان) في شكل إضافي، وهو ما سيحرمه من مصادر شرعية وحيوية للدولار. فضلاً عن أن إمكانية التصعيد الدائم تسحب ثقة الكثير من المغتربين في إدخال دولاراتهم الى السوق اللبنانية”.
وقال:”أزمة الدولار في لبنان مستمرّة. فالإيرانيون لن يسلّموا ترامب أي هدية الآن، بل سينتظرون بايدن، وهو ما سيستنزف الوقت في مزيد من الانهيار اللبناني، انطلاقاً من أن بايدن نفسه لن يسلّف الرئيس الإيراني حسن روحاني على مشارف انتهاء ولايته الرئاسية بعد أشهر. وهو ما يرفع حظوظ التآكُل الإقتصادي – المالي – النقدي – الإجتماعي في لبنان، وتغيير معالم البلد، على مستويات مختلفة”.
المساعدات فقط!
وأكد الخبير أن “من أبسط الأمور، هو أن لبنان سيعيش على المساعدات فقط، خلال الفترة القادمة، وهي مرحلة طويلة نسبياً، تنتظر وضوح الرؤية في المنطقة بعد الإنتخابات الرئاسية الإيرانية”.
وردّاً على سؤال حول إمكانية حصول فلتان كبير وسريع وغير مُتوقَّع في الدولار، في أي لحظة من لحظات تلك الفترة القادمة، أجاب:”نعم طبعاً. فالسوق السوداء لا تزال صغيرة الحَجْم حالياً. ولكن “شفّاطات” الدولار التي تتألّف منها، ستصبح مُرعِبَة، إذا أوقف مصرف لبنان دعم المواد الغذائية، فجأة”.
وختم:”من المستحيل معرفة المستويات التي سيحلّق فيها الدولار في تلك الحالة، بالأرقام الدقيقة. ولكن لا شيء يمنعه (الدولار) من أن يصل الى 50 ألف ليرة، للدولار الواحد، رغم أن لا شيء يؤكّد هذا الرّقم، أو أقلّ أو ربما أكثر منه”.