ينتظر لبنان مؤتمر الدعم الدولي الإنساني، الذي دعت إليه فرنسا، يوم الأربعاء المقبل. على وقع عقد المؤتمر، تقوم القوى السياسية باتخاذ خطواتها. كل طرف يحاول تلميع صورته والإشارة إلى أنه يعمل وفق المندرجات الدولية لقيادة عملية الإصلاح، من التدقيق الجنائي إلى قانون الانتخاب وصولاً إلى عملية تشكيل الحكومة. سينتظر لبنان من المؤتمر الكثير من التأنيب، وتحميل المسؤولية لقياداته. كما سينتظر ما يمكن أن يقدّمه المؤتمر، وسط معلومات تفيد بأنه لن يتم تقديم أي دعم مالي من شأنه تحسين الوضع الاقتصادي. الدعم سيكون “إنسانياً” لحماية اللبنانيين من الجوع، ولإطالة أمد قدرة مصرف لبنان على توفير الدعم للسلع الأساسية.
لن يكون للمؤتمر أي تداعيات سياسية. ولن ينطوي على أي تقدم بمبادرات جديدة. سيتأكد لبنان أنه متروك لمصيره سياسياً، في هذه المرحلة، طالما أن القوى المختلفة لا تتحمل مسؤولياتها كم يجب، ولا تزال تراهن على لعبة كسب الوقت. ولكن من تأثيرات المؤتمر، سيكون زيادة التحرك على خطّ تشكيل الحكومة. إذ تشير المعلومات إلى أن رئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، سيجري زيارة إلى قصر بعبدا قبل موعد انعقاد المؤتمر. وعلى الأرجح، قد تكون الزيارة اليوم الإثنين، لتقديم تشكيلة وزارية شبه مكتملة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون. الهدف من الزيارة هو الإيحاء بأن هناك حركة بهدف التشكيل. وهنا تظهر لعبة تسجيل النقاط. سيقول الحريري للعالم إنه قام بما يتوجب عليه، وعرض حكومته على رئيس الجمهورية، الذي رفضها. وحسب المعطيات، فإن الحريري سيقدم تشكيلة حكومية شبه مكتملة، مقابل ترك عدد من المقاعد لرئيس الجمهورية، لاختيار الوزراء الذين يريدهم.
بعض المؤشرات تفيد بأن عون لن يوافق على تشكيلة الحريري، لجملة أسباب. أولاً، بسبب الاختلاف في وجهات النظر حول كيفية اختيار الوزراء. وثانياً، بسبب الاعتراض على الحصص. خصوصاً، حصة التيار الوطني الحرّ. ففي الاجتماع الأخير الذي عقد بين الرجلين قبل أسبوعين، وبنتيجة الخلاف الكبير بينهما، طلب عون من الحريري الذهاب للتواصل مع القوى السياسية الأخرى، والتفاهم معها حول تشكيل الحكومة. وبعدها، فليعد إليه ليتم التفاهم على الوزراء المسيحيين. جمّد الحريري اتصالاته نسبياً، ومن ثم أعاد تفعيلها الأسبوع الفائت. إذ تكشف المعلومات أنه أجرى تواصلاً مع رئيس مجلس النواب، نبيه برّي. وتم التداول فيه بتفاصيل عملية التشكيل. وقال الحريري لبرّي إن هناك مساعي مشتركة بينه وبين رئيس الجمهورية لإبرام التفاهم خلال فترة 48 ساعة. تمنى برّي له التوفيق، وأبدى كل الاستعداد للمساعدة.
ذلك الاتصال يندرج في خانة تفاهم الحريري مع القوى الأخرى، وفق ما طلب عون قبل أن يعود إليه والتفاهم معه. وعليه أجرى الحريري أيضاً اتصالاً بجنبلاط الأسبوع الفائت، قال له ما قاله لبرّي، وأن المساعي الإيجابية قد تظهر نتائجها في الساعات الثماني والأربعين المقبلة. وقال الحريري لجنبلاط إنه جاهز لمنحه وزارتي السياحة والخارجية. اعتبر جنبلاط أن الرئيس المكلف قد خرج عن الاتفاق السابق بينهما، وأن الزمن ليس للسياحة، أما الخارجية فلا يريد تكرار تجربة وزارة التربية، التي كان فيها وزارة داخل الوزارة. فحدث توتر خلال الاتصال، لتجري بعدها جولة إتصالات سياسية قادت فيما بعد إلى إرسال الحريري رسالة لجنبلاط بأنه حريص عليه، وأنه في النهاية سيكون راضياً.
في هذا الوقت كانت عملية تسريب بعض أسماء التشكيلة الحكومية التي سيحملها الحريري إلى بعبدا قد بدأت. جزء من الأسماء كان مقترحاً في تشكيلة مصطفى أديب الحكومية، مثل جو صدّي، المقترح من قبل الفرنسيين لوزارة الطاقة، وكارول خوزاني لوزارة العدل. كما حكي عن توزير سليم ميشال إده، إلا أن معلومات أخرى نفت ذلك. يتمسك الحريري بوزارة الصحة وتسمية فراس الأبيض لها، فيما وزارة المالية يتم التداول بإسمين لها، هما وائل الزين خريج الولايات المتحدة الأميركية ومقيم في لندن، ويوسف خليل مدير العمليات المالية في مصرف لبنان. هذا، ويبقى الخلاف على وزارة الداخلية، التي يسمّي لها الحريري نقولا الهبر، بينما عون يريد جان سلّوم. كما تبقى وزارة الدفاع من حصة رئيس الجمهورية، الذي يفضل اللواء المتقاعد جميل الجميل.
لا تبدي المصادر تفاؤلها بإمكانية ولادة الحكومة. خصوصاً، أن توقيت زيارة الحريري إلى بعبدا، تقرأه القوى السياسية بأنه إقدام على خطوة لن يوافق عليها رئيس الجمهورية. وهذا سيؤدي إلى تلغيم كل مسار التعاطي بينه وبين القوى الأخرى، لنعود إلى لعبة شراء الوقت والاستثمار فيه.