كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
لا تختلف معاناة الطلاب اللبنانيين الموجودين في روسيا عن بقية دول العالم بعد الأزمة الإقتصادية وتفشي “كورونا”، ويكثّف سفير لبنان في موسكو شوقي بو نصّار، تواصله مع المسؤولين الروس من أجل تخفيف المعاناة لأن وجودهم في روسيا من دون إطلاق سراح “الدولار الطالبي” من لبنان سيكون فاجعة ستدمّر الطالب الذي يحلم بمستقبل أفضل.في نظرة تاريخية على إقبال الطلاب اللبنانيين على العلم في موسكو، فقد بدأت رحلة توافد الطلاب من لبنان الى روسيا منذ أيام الاتحاد السوفياتي وتحديداً في خمسينات القرن الماضي، والسبب أن الحكومة السوفياتية لجأت إلى تقديم منح لآلاف الطلاب من مختلف دول العالم لتلقي العلم في بلادها.
تعليم وتصدير إيديولوجياولا بد من الإشارة إلى أن الهدف السوفياتي من هذه الخطوة كان في قسم منه تعليمياً، لكن الهدف الأكبر إيديولوجي، أي دعاية للشيوعية والأفكار الإشتراكية، وقد نجحت هذه الخطوة في إعطاء نتائج في عدد من الدول عبر الثورات والإنقلابات الشيوعية.وبلغ عدد الخريجين اللبنانيين من الإتحاد السوفياتي طوال فترة السوفيات نحو 10 آلاف خريج منهم نحو 1000 من جامعة “الصداقة بين الشعوب” في موسكو، وما زالت هذه الجامعة حتى اليوم الأكثر إستقطاباً للطلاب اللبنانيين.أما المرحلة الثانية من التعليم في روسيا فكانت بعد سقوط الإتحاد السوفياتي وانقسامه إلى دول مختلفة فأصبحت روسيا وريثة الإتحاد لكن بنظام إقتصادي جديد وتغيرات جذرية إنعكست على كل نواحي الحياة وخصوصاً التعليمية، وبات قسم من الجامعات الروسية خاصة لكن بقي قسم حكومي، ومع التطورات فإن قدرة الجامعات الروسية إنخفصت عن أيام الاتحاد السوفياتي وبالتالي فان حجم الطلاب اللبنانيين إنخفض بشكل دراماتيكي وتوقفت المنح لفترة من ثم تمت اعادتها بأعداد محدودة جداً.
إنخفاض المنحوتكشف الأرقام الرسمية أن عدد المنح المقدمة من الحكومة الروسية في عدد من الجامعات إلى طلاب لبنانيين لا تزيد عن 100 منحة سنوياً وأحياناً تكون بين 60 و70 منحة، وهذا الأمر يشكل عائقاً للطلاب اللبنانيين للدراسة في روسيا إضافة الى عائق اللغة، لكن العنصر المادي يؤثر لأن تكاليف الجامعة تتراوح بين 3000 و7000 دولار سنوياُ، وهذا أمر مرهق للطبقة الفقيرة والوسطى، عدا عن كلفة المعيشة العالية في موسكو وبالتالي فان أي طالب يدرس في روسيا لن تقل مصاريفه عن 15 ألف دولار سنوياً، وهذا الموضوع تفاقم مع الأزمة الاقتصادية التي تضرب لبنان.وفي سياق متابعة الأزمة الطالبية، يؤكد السفير بو نصار لـ”نداء الوطن” أن عدد الطلاب المتواجدين في روسيا حالياً يُقدر بـ 750 طالباً، أكثر من نصفهم أتى في السنوات الماضية بمنح دراسية على سنوات عدة وقسم آخر يدرس على نفقته في مدن روسية عدة، أبرزها طبعاً موسكو وسان بطرسبرغ وروستوف بالإضافة الى مدينة بنزا، وهؤلاء بمعظمهم يدرسون إختصاصات علمية مثل الطب والهندسة. بالنسبة الى المشاكل التي تواجه الطلاب، يشدّد بو نصّار على أن “روسيا دولة صديقة وتحاول مساعدة الطلاب اللبنانيين والأجانب، ولا يوجد مخاوف تحيط بوجودهم، فالبيئة الروسية مضيافة وصديقة للبنان والشرق”.لكنه في المقابل يلفت الى أن المشاكل الأساسية التي يعاني منها الطلاب تأتي من جانب لبنان وهي مادية بالأساس وبدأت منذ عام ولا تزال تتفاقم وأهمها إنهيار سعر صرف الليرة وتوقف التحويلات وامتناع المصارف اللبنانية عن تحويل العملة الصعبة للخارح، فأهالي الطلاب الذين بمعظمهم من الطبقة الفقيرة والوسطى لم يعد لديهم القدرة على مساعدة أبنائهم الموجودين في روسيا.
أحلام الطلاب ستضيع إذا لم يُقرّ “الدولار الطالبي”لا عودة حالياًويتحدث بو نصار عن جزء ثانٍ من المشاكل التي يعانيها الطلاب اللبنانيون في روسيا وهي قرار الحكومة الروسية بمنع مواطني العديد من الدول، ومن ضمنها لبنان، من العودة الى روسيا بعد تفشي “كورونا”. ويضيف: “عند تفشي الوباء في آذار الماضي طالب عدد من اللبنانيين في روسيا الحكومة اللبنانية بإجلائهم الى لبنان بعد توقف حركة الطيران، فتواصلنا حينها كسفارة مع السلطات اللبنانية وأمنت طائرات وتم نقل نحو 600 طالب من خلال 3 رحلات لـ”الميدل ايست” إستثنائية الى موسكو لأنها لا تسير رحلات الى هنا حتى الآن، والمشكلة أن الطلاب الذين غادروا بين أيار وحزيران لم يعد بامكانهم العودة لمتابعة دراستهم في روسيا بالرغم من إنطلاق العام الدراسي في أوائل أيلول وحجة الروس هي امران: الأول أن معظم الجامعات تعطي الدروس أونلاين وبالتالي بإمكان الطلاب الأجانب متابعتها من بلادهم، والأمر الثاني بسبب تفشي الموجة الثانية من كورونا حيث لا تستطيع روسيا فتح حدودها لإستقبال الأجانب وهذا انعكس على الطالب”.ويشدد بو نصار على أن “هذه التدابير لا تقتصر على لبنان بل إن عشرات الدول تعاني منها”.وبالنسبة الى طبيعة المساعدات التي تقدمها موسكو للطلاب اللبنانيين، يشير بو نصار الى “أنها مساعدات مادية محدودة، فخلال تفشي كورونا كانت هناك فحوص مجانية للطلاب ومساعدات غذائية وطبعاً معظم الجامعات الروسية وافقت مشكورة على طلب السفارة اللبنانية بإعطاء الطلاب فترة سماح لتسديد الأقساط وتكاليف السكن الجامعي وعدم طرد أي طالب لبناني يتأخر عن التسديد، وتلقينا إجابات مشجعة وإيجابية من معظم الجامعات، ولم تسجل وفق معلومات السفارة اللبنانية أي حالة طرد لأي طالب من الجامعة أو من سكنه”.ويتابع: “كسفير أتابع مع السلطات الروسية المختصة وعلى أعلى المستويات وخصوصاً مع الخارحية الروسية ونائب الوزير ميخائيل بوغدانوف المسؤول عن ملف الشرق، ومع وزارة التربية والجامعات. ملف الطلاب اللبنانيين”.
“الدولار الطالبي”وأمام التساهل الروسي، تأتي الضربة القوية من السلطة اللبنانية، حيث يقول بو نصار: “مع الأسف الحكومة اللبنانية بالرغم من الكلام عن خطط لمساعدة الطلاب في الخارج خلال فترة كورونا والأزمة الاقتصادية، لم يلمس الطلاب اي مبادرة لمساعدتهم مادياً للتغلب على الازمة”. ويؤكد أن “ما يعول عليه الطلاب هو قانون الدولار الطالبي الذي أقر في مجلس النواب والذي سمح بتحويل عشرة آلاف دولار على سعر صرف الـ1500، لكن من خلال متابعتنا مع أهالي الطلاب والناشطين فانهم يبلغونني بعقبات كبرى يواجهها الأهالي مع المصارف التي لا تطبق القوانين، لذلك أشدد على أهمية تنفيذ قانون “الدولار الطالبي” وخصوصاً لطلاب في دول مثل روسيا وأوروبا الشرقية لأن 10 آلاف دولار مبلغ يسهل حياة الطالب وإحجامه هو سبب لخسارة العام الدراسي”.ويناشد بو نصار عبر “نداء الوطن” المصارف والمصرف المركزي والسياسيين العمل على مساعدة الطلاب وتنفيذ النص القانوني المختص بالدولار الطالبي لأن كثيرين سيخسرون عامهم الدراسي وبالتالي يفقدون الأمل باكمال دراستهم ويتهدد مستقبلهم بالضياع، وعندها نكون امام فاجعة حقيقية وكارثة تضرب آلاف الشباب اللبناني.
أوضاع الجاليةهذا بالنسبة إلى وضع الطلاب في روسيا، أم في ما يختص بوضع الجالية اللبنانية هناك، فيلفت بونصار إلى أن “لا جالية كبرى في روسيا مثل الخليج وافريقيا وأستراليا وأميركا إذ لا يتجاوز العدد 2000 لبناني ومعظمهم يتمركزون في المدن الأساسية”.ويشير إلى أن “أبناء الجالية ينقسمون الى قسمين منهم الجالية القديمة التي أتت أيام الاتحاد السوفياتي وتزوجوا من روسيات ويتجاوز معظمهم عمر الستين سنة، والقسم الثاني طلاب وبعض القادمين لأعمال تجارية صغيرة مثل مطاعم ومحال، وبالتالي مجتمع رجال الأعمال الكبار معدوم في روسيا ولا يتجاوز أصابع اليد، ولا يمكن القول إن هناك جالية كبرى، والذي يمنع تشكل الجالية هو قرب المسافة بين موسكو وبيروت وغياب فرص الإستثمار الآمن ووجود بعض المخاطر”.ويلفت أيضاً إلى وجود جالية لبنانية في بيلاروسيا تقدر بنحو 1500 لبناني نصفهم من الطلاب، وهي تابعة للسفارة اللبنانية في موسكو ويعاني الطلاب هناك نفس المشاكل التي يعاني منها الطلاب اللبنانيون في روسيا.