كتبت مريم مجدولين لحام في “نداء الوطن”:
مشروع القانون الرامي إلى تجريم التحرّش الجنسي وتأهيل ضحاياه، المُقدّم قبل عامين من النائبة عناية عزّ الدين، والذي مرّ ضمن اجتماعات للجنة الفرعية المنبثقة من لجنة الإدارة والعدل النيابية، ومن ثم أُحيل الى لجنة الإدارة والعدل برئاسة النائب جورج عدوان حيث تمّ التوافق على الصيغة النهائية، يُمثّل أملاً جديداً لضحايا التحرّش، لا سيما النساء، وهن الأكثرية في هذا المقام… أما المعركة الحاسمة الآن، فتكمن في الضغط على البرلمان للتصويت عليه في أول جلسة تشريعية مرتقبة!
إذا تمّ التصويت على القانون في الجلسة التشريعية المقبلة، يمكن أن يُحكم على المتحرّش بالسجن من شهر حتى سنة، وبغرامة تتراوح بين ثلاثة اضعاف وعشرة اضعاف الحدّ الادنى الرسمي للأجور، أو بإحدى هاتين العقوبتين. فإذا كانت جريمة التحرّش حاصلة “في إطار رابطة التبعية أو علاقة العمل، أو إذا كان المتحرّش موظّفاً وِفقاً للتعريف المنصوص عليه في المادة 350 من قانون العقوبات، وتعسّف باستعمال السلطة التي يتمتّع بها بحكم المهام المكلَّف بها، أو بمعرض القيام بالوظيفة أو بسببها، تكون العقوبة بالسجن من 6 أشهر إلى سنتين، وبغرامة من 10 أضعاف إلى 20 ضعفاً الحدّ الادنى الرسمي للأجور، أو بإحدى هاتين العقوبتين”. أما إذا وقع الجرم على “حدث أو على شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو على من كان لا يستطيع المدافعة عن نفسه بسبب وضعه الصحّي الجسدي أو النفسي، أو إذا كان الجاني ممّن له سلطة مادية أو معنوية أو وظيفية أو تعليمية على المُجنى عليه، أو إذا ارتكب فعل التحرّش شخصان أو أكثر، أو إذا استخدم الجاني الضغط الشديد، النفسي أو المعنوي أو المادي في ارتكاب الجرم للحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية، تكون العقوبة بالسجن من سنتين إلى 4 سنوات، وبغرامة تتراوح من 30 إلى 50 ضعفاً الحد الادنى الرسمي للأجور”. وفي حال “التكرار أو المعاودة تُضاعف عقوبتا السجن والغرامة في حدّيهما الأدنى والأقصى في كلّ الحالات المذكورة، ويُحكَم بعقوبتي السجن والغرامة معاً”. وبما أنّ تعريف التحرّش لطالما كان مسألة “نقاش”، خلص القانون المرفوع إلى التصويت على أنّ “التحرّش الجنسي هو أيّ سلوك سيّئ مُتكرّر خارج عن المألوف، غير مرغوب فيه من الضحيّة، ذو مدلول جنسي يشكّل انتهاكاً للجسد أو للخصوصية أو للمشاعر يقع على الضحيّة في أي مكانٍ وُجِدَت، عبر أقوال أو أفعال أو إشارات أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية، وبأي وسيلة تمّ التحرّش بما في ذلك الوسائل الإلكترونية”. كما “يُعتبَر أيضاً تحرّشاً جنسياً كلّ فعل أو مسعى، ولو كان غير متكرّر، يستخدم أي نوع من الضغط النفسي أو المعنوي أو المادي أو العنصري، يهدف فعلياً للحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية يستفيد منها الفاعل أو الغير”.
الرحلة القانونية
في مجتمع يميل دائماً للتشكيك في صدق ما يبوح به الناجون والناجيات عمّا يتعرّضون له من تحرّش جنسي، ويضع دائماً مسؤولية إثبات صحّة الوقائع من عدمها في أغلب المرّات على عاتق الضحايا، قال رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص، وهو شارك في صياغة القانون، لـ”نداء الوطن”: “كان لا بدّ من أن يكون القانون مشروعاً منفصلاً غير مُدرج على مستوى قانون العقوبات تحت باب الأخلاق والآداب العامة، ولا في قانون العمل، كي يكون له وقعه الخاص، يلبّي المعايير الدولية، ويشكّل تقدّماً كبيراً في مجال حقوق الإنسان. كما يساهم تلقائياً في كسر صمت الضحايا، من خلال السماح لهم بالحصول على تعويض عبر إعادة تأهيلهم ومعاقبة المذنبين بالتحرّش. بالإضافة إلى أنّه يخرج من عبء إثبات الفعل، ويعمل كأداة عقابية بشكل يستهدف أيّ منتهك، ويلغي كلّ الامتيازات التي يختبئ وراءها المعتدون ويستخدمونها لإسكات الضحايا أو الناجيات والناجين وتهديدهم، سواء كانت تلك الإمتيازات سلطوية أم جندرية”. إلا أنّ مرقص يخشى من “وجود آراء في الهيئة العامة لمجلس النواب تؤدّي إلى الإطاحة بهذا القانون، خصوصاً أنّه كان يجب أن يسبقه حملة توعية لإفهام، ليس المواطنين فحسب، بل المشرّعين، أهمّيته على مستوى البلاد”.
وتشارك النائبة عناية عزّالدين “نداء الوطن” رحلتها مع إقتراح القانون قائلةً: “كإمرأة، كنت مصرّة بمساعدة المستشارين القانونيين، على أهمية وجود قانون تامّ منفصل عن قانون العقوبات، يجرّم التحرّش ويُنصِف الناجيات والناجين، ويتيح لهنّ ولهم قانونياً المحاسبة والإقتصاص، ومن ثم يفتح باب إعادة التأهيل من آثار وتبعات وقائع هذا الجرم الجنسي عليهنّ وعليهم، وعلى أجسادهنّ وأجسادهم. وقد مرّ القانون بحلقات نقاش واسعة واجهت فيها حملة “تهكّم واسعة”، وأصررت فيها على المضي قدماً، وعلى أنّه من المرفوض تهميش الناجيات والناجين وحقوقهم بحجّة واهية تتمحور حول إشكالية “إثبات صحّة الشهادات من عدمها”، إذ أنّ هذا عمل القضاة، أمّا واجبي كمشرّعة فهو توفير منصّة وأرضية قانونية يستطيع الضحايا من خلالها المشاركة والبوح عمّا تعرّضوا له من دون أحكام من جهة، وتوفير مسلك المحاسبة، ومن ثمّ إعادة التأهيل لتخفيف أعباء رحلة التعافي من جهة أخرى”. وتتابع عزّ الدين “لا بدّ من الإعتراف بأنّ أحد أهمّ العوامل التي تُثني النساء والأحداث وأي ضحية أو ناجٍ من التحرّش عن اتّخاذ المسار الرسمي والقانوني هو عدم وجوده أصلاً، بحجّة صعوبة تقديم دليل قاطع، وإلى ما هنالك من حجج واهية. اليوم، وبكلّ ثقة، أستطيع القول إنّ الطريق الذي طال انتظاره قد تعبّد وبات موجوداً، وأظنّ أنّ على كّل الزملاء النواب التصويت عليه لتوفير الملاذ الآمن لهؤلاء الضحايا، وتشجيعهم على اللجوء للقضاء، كما للتخفيف من وطأة الضغط المجتمعي الذي يترتّب على أيّ فرد يتعرّض لهذا الجرم ويتمّ ابتزازه أو ابتزازها، بسبب إهمال المشترع في توفير قانون كهذا”.
على أمل أن يعي النواب أنّ جريمة التحرّش الجنسي هي جريمة عابرة للجندر، وأنّ أولادهم وبناتهم عرضة للإنتهاكات الجسدية والنفسية والجنسية، وأن يمارسوا دورهم الإشتراعي الذي انتخبوا كي يمارسوه ويوفروا للمواطنات والمواطنين وطناً آمناً، بمعزل عن آرائهم الشخصية “التهكّمية” على أيّ قضية تعني النساء بالدرجة الأولى.