‏بين النينو والعصر النصف الجليدي… ماذا يخبئ شتاء لبنان هذه السنة؟

كتبت جنى جبور في “نداء الوطن” شهد بلد الفصول الاربعة كمية أمطار كثيفة في الايام الأخيرة، ما دفع البعض الى توقع شتاء قارس وعواصف ثلجية لم يشهدها لبنان منذ التسعينات. يرافق هذا التوقع، انتشار معلومات على مواقع التواصل الاجتماعي تتمحور حول دخول العالم في العصر النصف الجليدي واستمرار ظاهرة النينو والنينيا، ما سيؤثر على أنماط الطقس في العالم أجمع. فما صحة هذه التنبؤات؟ وكيف سيكون شتاء لبنان لهذه السنة؟
ماذا يخبئ شتاء لبنان هذه السنة، وهو فصل الخير وانسداد مصارف المياه وانهيارات الأبنية؟ وهل ستتحقق التوقعات؟ الاب ايلي خنيصر، المتخصص بأحوال الطقس في الولايات المتحدة الاميركية يشير الى أنه في لبنان “الكثير من التخلف في ما يخص رصد الأحوال الجوية، واستعمال مصطلحات “مشمس غائم، وغائم ممطر”، غير دقيقة في توصيف حال الطقس. كذلك، كل المعلومات والمقالات التي تنشر على المواقع الالكترونية أو مواقع التواصل الاجتماعي والتي تتمحور حول توقعات موسم بكامله… معلومات كاذبة”. فمن اين يأتي خنيصر بمعلوماته؟ يجيب “يوجد طرق علمية لتحليل الطقس، ومن المستحيل التنبؤ بموسم الشتاء بكامله. وترتكز هذه الطريقة على دراسة الخرائط العالمية، وكيفية توجّه المنخفضات الجوية، ما يسمح لنا بتكوين فكرة عن احوال الطقس قبل 3 أيام، ونحدّث معلوماتنا قبل 24 ساعة من نشر نشرة الاحوال الجوية، شرط تحديث المعلومات كل 3 الى 4 ساعات في اليوم الواحد لان تغيّر الضغط الجوي وحالة الهواء، يبدلان حال الطقس. هذه هي الطريقة المحترفة للنشرة الجوية التي تتبعها الدول المتقدمة ويغيب عنها لبنان”.
ثلوج وبرد قارس؟
المنخفض الجوي الذي شهده لبنان الأسبوع الماضي طبيعي جدّاً في تشرين الثاني، ونتجت عنه كمية امطار مرتفعة تخطت في بعض المناطق الـ120 ميليمتراً. ففي القبيات مثلاً سجلت 165 ملم، في زحلة 92 ملم، أمّا في بشري فلامست الـ135 ملم.
ويشرح الأب خنيصر أنّ “بعد طول انتظار، وصلت الشتوة الأولى الى لبنان بعدما انحرف المنخفض الجوي الغزير الامطار نحو لبنان وفلسطين وسيناء وسوريا والاردن، فهطلت الامطار العابرة المحلية. وبما أنّ الارض ما زالت صلبة، لم تستوعب كمية الهطولات المتساقطة، ما ادّى الى تشكل السيول في بعض المناطق وارتفاع منسوب المياه على الطرقات الساحلية، وأدى تصادم المنخفض الآتي نحو لبنان بالرياح الدافئة الى تشكل العواصف الرعدية فوق الساحل والجبل وفي الداخل بالاضافة الى تساقط حبات البرد. وكيف سيكون الشتاء هذه السنة؟ “يمكن القول إننا نراقب حركة القطب الشمالي والمناطق المدارية الصحراوية، وبما أنّ الارض تتحضر للدخول في العصر النصف الجليدي (Mini Ice Age) وهناك انخفاض في عدد الثقوب الشمسية، سنشهد برودة في الطقس. مع الاشارة، الى أنّ هذه البرودة بدأت التأثير في الارض منذ العام 2017، وستشتد السنة المقبلة (2021) وتستمر لنحو 10 الى 15 سنة. كذلك، نعود الى العام 2014، حيث ارتفعت درجات الحرارة صيفاً، ووصلت الى 48 في البقاع، فأتى شتاء 2015 شديد البرودة حيث وصلت درجة الحرارة في البقاع ايضاً الى 16 تحت الصفر. وهذا المشهد يمكن أن يتكرر في شتاء الـ2021، بحيث مرّت على لبنان 8 موجات حر هذا الصيف، ووصلت الحرارة في البقاع الى 45 درجة، لذلك قد يكون هذا الشتاء بارداً وقد تصل درجة الحرارة الى 10 درجات تحت الصفر في المناطق المرتفعة من 1000 الى 1200 متر عن سطح البحر. كذلك، اذا وصلت الكتل الباردة الى لبنان ورافقتها الحرارة المتدنية يمكن ان تتساقط الثلوج على ارتفاع 200 و300 متر ولا سيما في المناطق الشمالية”. ويضيف: “أمّا طقس هذا الاسبوع فسيكون متقلباً في الايام المقبلة، وستشهد المناطق اللبنانية امطاراً خفيفة بسبب المنخفض الجوي فوق شمال مصر، ومع انحسار هذا المنخفض، تعود الامطار الشاملة الى لبنان مساء الأربعاء المقبل”.
اعتاد أجدادنا التنبؤ بما ستحمله فصول العام وأشهره من حرّ وبرد من خلال “البواحير”… هذه الطريقة ابتعد عنها الاب خنيصر منذ سنتين تقريباً لعدم دقتها. فالعالم الحديث لا يعترف بالوسائل القديمة، على الرغم من أنها ما زالت حاضرة ولو بوتيرة أخف من الماضي. وتقسم البواحير إلى قسمين: غربية وشرقية بحسب التقويمين المسيحيين الشرقي والغربي. وإذا كانت البواحير الغربية تبدأ في ليلة 13- 14 أيلول، أي ليلة عيد الصليب، وتنتهي ليلة -25 26 أيلول، فإن هذه العملية الحسابية بحسب التقويم الشرقي تبدأ في 26 – 27 أيلول وتنتهي في 7 – 8 تشرين الأول. ويوجد من يلجأ إلى تقنية الملح، فيضعه على 12 ورقة توت أو في قطع قماش تمثل أشهر السنة، ليتحسسه عند الفجر، فإذا كان رطباً فهذا يعني أن الشهر المرتبط بهذه الورقة سيكون ماطراً، والعكس صحيح. وثمة من ارتأى أسلوب المراقبة باعتباره أكثر دقة، فيحدد الطقس في بداية الشهر كما في نهايته. وتعتمد هذه الطريقة على مراقبة حركة الرياح وشدتها واتجاهها، والغيوم وكثافتها ولونها، ونسبة الرطوبة والندى… علماً أن كل يوم يمثل شهراً من السنة مثلاً يقابل اليوم الأول من البواحير أي 15 أيلول شهر تشرين الاول وهكذا دواليك…
طقس لبنان كلندن في 2035؟
ننتقل الى حال الطقس مع مقدم الفقرة الجوية في الـ”LBCI” جو القارح الذي نجح بجذب الانتباه بسبب معلوماته وتحضيره للنشرات الجوية بأسلوب مميز. جو، لم يدرس هذا الاختصاص بل عمل على تطوير نفسه لأكثر من 15 سنة، فأصبح ملماً في الارصاد الجوية اللبنانية، ويرتكز في تحليله على الخرائط الجوية العالمية التي تقدمها الشركات المحترفة، اضافةً الى اطلاعه على جغرافية لبنان، ما يساعده على استخلاص نشرة جوية قريبة من الواقع. فما هي توقعاته العلمية لهذا الشتاء؟ يجزم القارح أنه “لا يمكن توقع موسم بكامله، بل يقتصر التحليل لمدّة أسبوع كحد اقصى، حيث تتراوح دقة المعلومات فيها نحو 60 في المئة، وتتراجع هذه النسبة كلما تخطينا الـ7 أيام. أمّا في ما يخص الرصد الجوي اليوم، فنرى ان اتجاه الطقس كان يميل الى الدفء في السنوات الـ10 الاخيرة، عكس سنوات الثمانينات والتسعينات حيث كانت الثلوج تلامس الـ500 متر. مع الاشارة الى انه في العام 2015 شهدنا آخر عاصفة ثلجية على هذا النحو. كذلك، ينتشر الحديث عن النينو والنينيا وهي تيارات مائية في المحيط الهادئ، تحوّل الماء الى باردة أو دافئة أكثر من حالتها الطبيعية، ما يؤثر على التيارات الهوائية النفاسة في البلدان. وقد يستمر تأثير هذه العوامل سنوات عدّة، لهذا نرى مثلاً لمدة بين 3 او 4 سنوات شتاء معتدلاً وصيفاً حاراً او العكس. هذه السنة، صب هذا التأثير في منطقتنا لصالح البرودة، ولكن هذا لا يؤكد أنّ الشتاء سيكون قارساً. ويكثر الحديث ايضاً عن العصر النصف الجليدي حيث يتوقع ان تشهد الكرة الارضية برودة، وربما يصبح طقس لبنان في فترة الذروة لهذا العصر مثل طقس لندن في السنة 2035. الا انها دراسات غير مؤكدة بعد، خصوصاً مع التطرف الجوي والاحتباس الحراري، الذي دفع العلماء الى القول إنه لا يوجد عصر نصف جليدي لا بل احتباس حراري، وهذا التضارب في المعلومات يمنعنا من توقع حال الطقس في موسم بأكمله”.
أمّا عن طقس الاسبوع التالي، فقال “انحسر المنخفض الجوي الذي ضرب لبنان من شمال تركيا، انما سيكون الطقس غائماً جزئياً ورطباً مع احتمال تساقط امطار محلية غير شاملة بنسة 30 الى 60 في المئة، في الايام الـ 6 المقبلة بسبب الطبقات الجوية المرتفعة العالية الرطوبة”.
بين النينيا والنينو
“النينو” و”النينيا” ظاهرتان مناخيتان تحدثان في المنطقة الاستوائية من المحيط الهادئ، إلا أن ظاهرة النينو والتي لا تزال تؤثر على العالم فهي تحدث نتيجة ارتفاع حرارة سطح المياه في المحيط الهادئ عن معدلها. أما ظاهرة النينيا، فتحدث نتيجة انخفاض درجات الحرارة عن معدلاتها في المحيط الهادئ، وتتسبب الظاهرتان بعدد من الاضطرابات القوية في حالة الطقس عالمياً. تؤثر ظاهرة النينيا على المنطقة العربية غالباً، بارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار في مناطق المشرق العربي، ولكن يحدث العكس في مناطق المغرب العربي حيث تزداد الأمطار وتنخفض الحرارة عن معدلاتها. وتزداد فرصة حدوث الفيضانات والسيول في مناطق المغرب العربي، فيما تزداد احتمالات الجفاف في مناطق المشرق العربي.
العصر النصف الجليدي
الأمر أصبح واضحاً، بحسب الأب ايلي خنيصر، فالشمس في مرحلة الهدوء (Solar Minimum )، والكلف الشمسي انخفض الى 185 وسيصل في العام 2020 الى 170 بقعة شمسية بحسب الدراسات التي اجرتها الناسا حول الشمس، الأمر الذي ينذر بسيطرة العصر النصف الجليدي على الأرض بقسميها الشمالي والجنوبي، هذه الدورة التي تتكرر كل 120 عاماً تقريباً، قد حان اوانها، وآخر عصر نصف جليدي ضرب الأرض كان خلال الأعوام 1880/1900. وما حصل في الفترات الأخيرة من ثوران للقطب الشمالي وهبوب للرياح الجليدية نحو القارات الثلاث وتدني درجات الحرارة لتلامس (-50) و (-65 ) تحت الصفر بين كندا واميركا وروسيا، خير دليل على صحة دراسات الناسا بأن الـ”Mini Ice Age”، سيرسل انذاراته في الأعوام 2018 و 2019 ليبدأ تأثيره الفعلي سنة 2020 ويمتد الى 2035، بحيث ستعاني الأرض بقسمها الشمالي في فصل الشتاء من الجليد والعواصف الثلجية المتواصلة التي ستشكل خطراً على الزراعة والملاحة الجوية، كذلك القسم الجنوبي حين تكون استراليا وجنوب افريقيا واميركا الجنوبية في فصل الشتاء. ومع انتقالها الى الشرق الاوسط، لن تشهد اي مقاومة فعّالة من المناطق المدارية بسبب تراجع النشاط الشمسي فتكثر النزولات القطبية الباردة، وتتزامن مع وصول المنخفضات الجوية، لكي يتكرر سيناريو العواصف الثلجية.