جاء في “المركزية”:
كل أوزار التطبيع العربي مع اسرائيل وتداعياته الوخيمة حطت على طاولة اجتماعات الجامعة العربية واقحمتها في وضع لا تُحسد عليه. تشتت، انقسام، ضرب للمبادئ والقرارات والتوصيات الجامعة على مدى عقود، حتى ان رئاسة الدورة المقبلة باتت حملا ثقيلا تتقاذفه الدول الاعضاء هرباً من مفاعيله وانعكاساته السلبية عليها.
فبعيد الاتفاقيات الثنائية العربية-الإسرائيلية وتحديدا بين الامارات العربية المتحدة والبحرين والسودان، والحبل على الجرار، كما يتردد، تواجه الجامعة موقفا غير مسبوق تمثّل في اعتذار ست دول تلي فلسطين في الترتيب الأبجدي عُرضت عليها رئاسة الدورة الحالية على مستوى وزارء الخارجية عن توليها بعد اعتذار فلسطين عن استكمال الدورة التي تنتهي في آذار المقبل، في وقت تزداد هوّة الخلافات في ملفات رئيسية عدة، جاء التطبيع ليفجرها.
وفي حين يتوقع أن تنعقد الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية بعد تسلم مصر الرئاسة، علما أن استكمال ولاية الدورة الحالية يحفظ حقّها في رئاسة دورة مقبلة كاملة للمجلس وفقًا للترتيب الأبجدي، افاد مصدر ديبلوماسي رفيع “المركزية ” إن موعد الاجتماع المقبل لم يحدد بعد، موضحا أن ظروف الجامعة اليوم صعبة وعلى الدول العربية ان تجد التوقيت المناسب والصيغة المناسبة لعقد الاجتماع.
علما ان الديبلوماسية المصرية ستنشط في المرحلة المقبلة على خط التئام ذات البين العربية لتحديد موعد مناسب.
ورأى المصدر عينه ان مصر تحتضن مقر الجامعة العربية، وهي دولة ذات ثقل عربي لديها قدرات وامكانات وطاقة في ادارة الشأن العربي حين يمر الوطن العربي بصعوبات، آملا ان تكون كذلك في قلب الدور العربي البالغ الدقة راهنا.
واضاف: “نحن نتكل عليها منذ الخمسينيات والستينيات، فهي كانت من كبار الدول العربية التي تلعب الدور المحوري في الصعوبات العربية”.لبنان كان احدى الدول التي اعتذرت عن تسلم الرئاسة من فلسطين الى جانب قطر وجزر القمر والكويت وليبيا لاسباب غير خافية على اي مراقب سياسي يدرك حراجة وضع لبنان في هذه المرحلة.
عن هذه الخلفيات قال المصدر الديبلوماسي لـ”المركزية” إن ظروف الدول العربية اليوم، وبشكل خاص ظروف لبنان لا تُشجع على ان نترأس مجلس جامعة الدول العربية في هذا الظرف لنبحث موضوع اتفاقات السلام بين بعض الدول العربية .
هذه الدول تعتبر ان هذا حق سيادي لها في وقت نطالب نحن بأدنى حد ممكن من التضامن.ولفت الى أن لبنان ليس في وارد انتقاد اي دولة تمارس حقها في السيادة، لكن من البديهي، حين تشتد الصعوبات والعواصف على الدول العربية، ان نتلاحم ونتضافرمع بعضنا اكثر لا ان نتفرق ونبتعد وهذا موقف انساني. وختم: حق هذه الدول أن تكون لها قراراتها السيادية وعلى كل دولة عربية ان تتصرف بموجب هذا الموقف .
أما في ما يخص لبنان، فلن نقوم بالتطبيع ولن نوافق على اتفاقات سلام، علما ان مسألة مفاوضات ترسيم الحدود فشأن آخر بعيد كل البعد عن خطوات التطبيع مع اسرائيل او اتفاقات السلام.
وكانت فلسطين التي ترأس الدورة الحالية التي بدأت في ايلول الماضي وتنتهي في شهر آذار من العام المقبل، دعت المجلس الوزاري لاجتماع طارىء اثر الاتفاق الاماراتي – الاسرائيلي للبحث في تداعياته الا ان الإنعقاد تعذر.
فرأست الاجتماع الوزاري العادي ولم يصدر بيان يرضيها ولم تحصل على نتيجة او توصية او قرار او إعلان، يندد بالاتفاقيات تلك، ما دفع فلسطين الى الانسحاب من ترؤس مجلس الجامعة العربية .
وقد وصف وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي موقف الأمانة العامة للجامعة الداعم للإمارات والبحرين في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بالمخالفة لمبادرة السلام العربية.وفي السياق، ترى اوساط سياسية عربية عبر “المركزية” أن سبحة الاعتذرات عن ترؤس الدورة الحالية تعكس تراجعا في دور الجامعة على الصعيدين الإقليمي والعالمي، في ظل اتساع الخلافات بين الدول العربية حول قضايا رئيسية أبرزها الصراع العربي-الإسرائيلي، والأزمات في سوريا، واليمن، وليبيا، والعلاقات مع تركيا وإيران، وهي لم تعد تلبي طموحات الشارع العربي في الوحدة وتبني القضايا الرئيسية وفي مقدمتها الصراع العربي- الاسرائيلي أو الأزمة السورية، حيث أصبحت التدخلات من خارج المنطقة العربية هي المؤثر الرئيسي في معظم هذه الأزمات.
وتبدي خشيتها من ان ينتهي دور الجامعة اذا استمرت وتيرة الاتفاقات العربية مع اسرائيل على ما هي عليه ووفق المتوقع، اذ ان الصراع العربي- الاسرائيلي كان يشكل الحد الادنى من الالتقاء بين الدول العربية في مواجهة الضغوط الدولية.
الا ان ذلك لا يعني ، بحسب الاوساط، ان اصلاح الجامعة واستعادة دورها بات مستحيلا ، فهو ممكن من خلال تبنّي مبادرات لتعديل ميثاق الجامعة العربية وأسلوب اتخاذ القرار فيها، ودعم مؤسساتها ماليا وسياسيا، والتعاطي مع المتغيرات الإقليمية والدولية التي تعصف بالمنطقة”، والاقرار بوجود خلافات عربية-عربية حول قضايا جوهرية، وتباين في المصالح والاهتمامات.
من هذه النقطة يمكن اعادة تفعيل الجامعة واستعادة دورها الريادي، خصوصا انها مرّت بمراحل صعود وهبوط وتمكنت من مواجهة تحديات كبرى منذ تأسيسها عام 1945.