بعد جرعة التفاؤل التي أطلقها رئيس الحكومة المكلف سعد الدين الحريري بشأن سهولة وسرعة تشكيل الحكومة، لا توجد حتى الساعة مؤشرات توحي بأن عملية تشكيل الحكومة قد وصلت الى خواتيمها بصورة جدية.
الحريري يتجنب الحديث مباشرة مع التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل او التفاوض معه، وهنا تكمن الصعوبة في انهاء مسار التفاوض والذهاب الى اعلان الحكومة، ففي احسن الاحوال رئيس الجمهورية ميشال عون هو من يملك القدرة على تعطيل اي تشكيل للحكومة، وهذا يعني ان الحريري سيكون محرجاً للغاية لان امامه خيارين لا ثالث لهما، الاول خيار التفاوض الطويل والثاني تقديم تقديمه للتيار ما يريده.
التيار الحر سيذهب في لعبة المعايير الموحّدة إلى التعنُتّ في الاحتفاظ بحقائبه خصوصاً الطاقة التي تُعتبر حجر الزاوية في المسار الإصلاحي، ورصد لا يقلّ أهمية للهامش الذي سيرسمه الحريري لحركته السريعة التي يريد من خلالها تلافي الانجرار إلى تجارب سابقة من الانخراط في بازارات مع القوى السياسية بالمفرّق محاولاً ترك عملية التشاور ما أمكن مع رئيس الجمهورية وفق الدستور.
الا ان الحريري كان يرغب بحكومة مؤلفة من ١٤ وزيراً لكن هذا الشكل للحكومة سيؤدي الى خلق عقد حول دمج الوزارات واعطاء كل وزير اكثر من حقيبة كما سيكون هناك مشكلة في توزيع الحقائب السيادية والاساسية، وعليه إتجه الرئيس المكلف الى التراجع عن هذا المطلب والذهاب بعيداً في تشكيل حكومة مؤلفة من ٢٠ وزيراً تشبه الى حد بعيد حكومة حسان دياب، اذ ستسمي القوى السياسية التي ستمنح الحكومة الثقة، كل الوزراء الذين سيمثلونها، وهذا ما يشبه كثيراً شكل حكومة الرئيس حسان دياب، كما ان المطروح حالياً ايضاًيشبه ما حصل مع دياب اذ ان الحكومة لن تضم سياسيين صريحين بل متخصصين تسميهم الاحزاب من بين مؤيديها.
تصلّب الوزير السابق جبران باسيل، حيال الرئيس سعد الحريري خصوصاً، وسعيه لتكليف أي شخصية سواه بتشكيل الحكومة، ليس فعل إرادته، انما هو جزء من الأجندة الإيرانية التي ينفذها حزب الله، والذي يتجنب الممانعة المباشرة بعودة الحريري الى السراي الكبير، لاعتبارات إسلامية ومذهبية، مقابل متابعة الحزب خط ايصال باسيل الى حيث يسعى منذ وصول الرئيس عون الى بعبدا.
الحريري يخوض مسار التأليف كما فعل في التكليف، وكأن في ظهره كاسحة الألغام الفرنسية المدعومة من واشنطن، والتي تجعل ممن يعطّل مهمته بقيام حكومةِ اختصاصيين بوضع قطار الإصلاحات على السكة، في مواجهة مباشرة مع الرئيس إيمانويل ماكرون ومن ورائه عصا العقوبات الأميركية التي تشكل كابِحاً لأي منحى تفجيري للمبادرة الفرنسية وفي الوقت نفسه خط دفاع يركن إليه زعيم المستقبل بوجه أي ضغوط لفرض تراجُعات عليه في شكل الحكومة وتوازناتها من النوع الذي من شأنه أن يحرقه ويطيح واقعياً بآخِر طوق نجاة ممكن قبل الاصطدام الكبير بالقعر المالي الاقتصادي.
وليس امام الجميع سوى مساعدة الحكومة المقبلة، للحصول على الدعم الدولي، والوفاء بالتزاماتها، ليس بوقف الانهيار فحسب، بل في اخراج لبنان من ازماته، ووضعه على طريق التعافي والنهوض السليم.
المصدر: شادي هيلانة- الكلمة اون لاين