ليس الرئيس سعد الحريري الطرف الوحيد الذي قام بتدوير الزوايا للعودة الى رئاسة الحكومة، وليس وحده من قام بالتنازلات لإعطاء الثنائي الشيعي ما يريد، فرئيس الجمهورية والنائب جبران باسيل تراجعا الى الخطوط الخلفية أيضاً.
فرئيس تكتل لبنان القوي قبِلَ بالحريري رئيساً للحكومة بعد ان أرسى معادلة عودتهما الى الحكومة او خروجهما معاً، وارتضى ان لا يكون وزيراً فيها، وبعد ان نزل باسيل شخصياً الى استشارات التكليف والتأليف.
تراجُعْ باسيل طرح علامات استفهام على أبواب الدخول في مرحلة حسم توزيع الحقائب والوزراء، حول ما إذا كان باسيل سيحصد ثمن التنازلات التي قدمها، بعد ان صار واضحاً ان جميع من نزلوا عن شجرة التصعيد نالوا ما يريدون.
فالثنائي امل وحزب الله حاصل على وزارتي المال والصحة، فيما حصل النائب وليد جنبلاط على ضمانات.
تعتَبِرُ مصادر سياسية ان التمثيل المسيحي هو العقدة الوحيدة التي يتم التفاوض حولها في الساعات الأخيرة، بعد حسم العقد المتعلقة بالوزراء الشيعة وحصة المختارة.
فسقوط المداورة بفعل معادلة الثنائي بالصحة والمالية، يدفع النائب باسيل الى المطالبة بما كان له في الحكومات من حصة مسيحية في وزارة الطاقة، مع إطلاق باب التفاوض حول وزارة الداخلية.
وحسب المصادر فإن باسيل وافق على ان لا يكون وزيراً في حكومة الحريري، لكنه لن يقبل إلاّ أن يكون من المؤثرين في اختيار الحقائب والوزراء، بعد ان صار ثابتاً ان الحكومة سياسية بغطاء الوزراء المستقلين.
دوافع باسيل واضحة، فهو إختار الانحناء امام العاصفة وليس مواجهتها، فَمَدَّ اليد الى الحريري، الذي يتمتع اليوم بفائض قوة، على قاعدة ان المساكنة معه أفضل من مخاصمته، وعلى اعتبار ان الدخول الى الحكومة عبر تسمية وزراء الرئيس أفضل من الذهاب الى المعارضة، فالحقائب تساعد على استرداد الشعبية.
وعلى ما يبدو فإن باسيل اختار نموذج جنبلاط في الانقلاب والعودة عنه، حيث تقتضي مصلحة الطائفة والحزب، أو انه قرأ الرسائل المفخخة التي أرسلت اليه عبر البريد السريع وممارسة الضغوط عليه من أجل عدم العرقلة، من خلال الحملة السياسية لإقصائه عن التفاوض الحكومي الذي حصل بين الثنائي وبيت الوسط وكليمنصو من جهة، وفي ضوء ما تناهى اليه الأسبوع الماضي من تعنّت الحريري ورفضه اللقاء الشكلي معه.
لعل الاشارات الأبرز ظهرت في استثنائه من زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد شينكر الأخيرة الى لبنان، وفي حرب الشائعات عن لقاءاته مع اسرائيليين حول الترسيم البحري، وما سُرِّبَ من وثائق عن البريد الالكتروني لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، التي تطرح علامات استفهام عشية التحول في المشهد اللبناني، مع انطلاقة الترسيم الحدودي، وفي أسبوع العودة المظفرة للحريري الى رئاسة الحكومة بعد عام من الاستقالة.