أكثر ما يشغل بال اللبنانيين اليوم

كتبت أميمة شمس الدين في “الوكالة الوطنية”:
أكثر ما يشغل بال اللبنانيين اليوم، بالاضافة الى هاجس فيروس كورونا، هو الوضع الاقتصادي الصعب الذي نعيشه جراء الارتفاع الجنوني للاسعار بسبب ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية، ما ادى الى تراجع القدرة الشرائية، بالاضافة الى عدم معرفة مصير الاموال المودعة في المصارف.
ما يزيد الطين بلة، هو الحديث عن رفع الدعم عن السلع الاساسية من دواء وقمح ومحروقات، وهذا سيكون الضربة القاضية على ما تبقى من قدرة لدى المواطن، إذ سترتفع الاسعار ثلاثة أضعاف ما هي عليه، فلن يتمكن المواطن من معالجة أمراضه، لأنه سيعجز عن شراء الادوية، ولن يستطيع تأمين الخبز لعائلته التي هي أبسط أمور الحياة، كما لن يعود بإمكانه شراء البنزين إذ قد تصل الصفيحة الى حدود السبعين الف ليرة، وهذا كله سيؤدي ليس فقط الى انعدام القدرة الشرائية لدى المواطنين بل إلى شلل تام في حياتهم بل الى قتل ما تبقى من امل بحياة كريمة.
وكشفت دراسة أعدتها لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغرب آسيا (إسكوا) عن تضاعف نسبة الفقراء من سكان لبنان لتصل إلى 55% سنة 2020، بعد أن كانت 28% في 2019، فضلا عن ارتفاع نسبة الذين يعانون الفقر المدقع بـ3 أضعاف من 8 إلى 23% خلال الفترة نفسها. وأشارت الدراسة إلى أن العدد الإجمالي للفقراء من اللبنانيين أصبح يفوق 2.7 مليوني شخص، حسب خط الفقر الأعلى (أي عدد الذين يعيشون على أقل من 14 دولارا في اليوم)، وأن هذا يعني عمليا تآكل الطبقة الوسطى بشكل كبير، وانخفاض نسبة ذوي الدخل المتوسط إلى أقل من 40% من السكان.
وأكدت أن فئة الميسورين ليست بمنأى عن الصدمات، حيث تقلصت إلى ثلث حجمها هي أيضا، من 15% في 2019 إلى 5% في 2020.
ولا بد من الاشارة إلى أن الموضوع الاقتصادي يبقى مربوطا بالموضوع السياسي، لا سيما تشكيل الحكومة التي قد تعمل على ايجاد حلول، وخصوصا اذا نفذت ما تتعهد به من اصلاحات ومحاربة للفساد.
للاضاءة على هذه المواضيع، كان لنا حديث مع الأمين العام لاتحاد المصارف العربية وسام فتوح والخبير الاقتصادي نسيب غبريل.
فقد أكد فتوح أن “لا احد يريد رفع الدعم لكنه خيار ممكن”، وأوضح أن “هذا القرار يأتي من الحكومة وليس من مصرف لبنان فهي التي تطلب من البنك المركزي رفع الدعم او تطلب الاستمرار بالدعم، خصوصا على السلع الاساسية للمواطن من سلع غذائية وأدوية وبنزين”.
وأشار الى ان “مصرف لبنان ينبه إلى تضاؤل الاحتياط بالعملة الاجنبية لديه حيث وصل إلى حدود الـ 20 مليار دولار وبالتالي لا يمكنه الاستمرار بالدعم. فمصرف لبنان لا يقول انه لا يريد الاستمرار بالدعم، لكنه يقول لم يعد لديه الاحتياط الكافي خصوصا في ظل عدم تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية والسياسية”.
وأكد أن “من أهم الأسباب لرفع الدعم عمليات التهريب، فمصرف لبنان يدعم السلع الاساسية ويتم تهريبها، كالادوية التي يتم تهريبها الى العراق والبنزين الى سوريا”، معتبرا أن “الحل لهذه المشكلة تشكيل حكومة مهما كانت تسميتها، المهم اداؤها السياسي وأن يتعاون الافرقاء السياسيين على تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية التي تبدأ بالقطاعات الانتاجية كالاتصالات، بوقف التوظيف العشوائي والهدر والفساد في هذا القطاع والاصلاحات في قطاع الكهرباء الذي يشكل اكبر مكامن الهدر في الدولة اللبنانية بالاضافة الى ضبط الجمارك ومحاربة الفساد و تطبيق قوانين الحوكمة”.
وشدد على “ضرورة أن تشكل هذه الامور الاولوية لدى الحكومة العتيدة و بهذا التوجه باداء حكومة ذات ثقة وبرئيس حكومة ذات ثقة، كالرئيس سعد الحريري، ليس فقط تقوم باصلاحات داخلية واقتصادية ومصرفية وسياسية لا بل ايضا تجذب المجتمع الدولي، فمن ناحية نوفر هدر للاموال من صرف للدولار يمكن تجنبه ومن ناحية اخرى تعطي هذه الاصلاحات الثقة للمجتمع الدولي وبالتالي تبدأ الدول المانحة بدعم لبنان وربما نتوصل مباشرة الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لمنح لبنان القرض الذي لا يؤمن فقط المال بل يؤمن الثقة بغض النظر ما هي قيمة هذا القرض، مكررا أن المهم في هذا الامر هو الثقة التي يمنحها صندوق النقد الدولي الى لبنان تجاه المجتمع الدولي و المستثمرين الاجانب”.
وشدد فتوح على أن “العقدة الاساسية تبقى في الاتفاق بين الافرقاء السياسيين والاحزاب على حكومة يعطونها الثقة لتتمكن من العمل بحرية على ان يحميها القضاء العادل”، لافتا الى “الدور الذي يمكن ان يقوم به اتحاد المصارف العربية بجلب الثقة للقطاع المصرفي من بعد ملاحظة المصارف العربية الفرق بالاصلاحات الاقتصادية”.
وشرح: “الاقتصاد مبني على ركائز ثلاث او قطاعات ثلاث هي الخدمات والزراعة والصناعة وهذه الركائز الثلاث تبني اقتصاد أي دولة، فالولايات المتحدة الاميركية لديها اقتصاد قوي لان لديها خدمات وزراعة وصناعة قوية، اما في لبنان كنا نقدم خدمات مصرفية وكنا نكسب ملايين الدولارات وكانت دول كثيرة تعتمد على لبنان في هذا المجال. للاسف اليوم خسرنا هذا الامر لأنه أصبح هناك عدم ثقة بالقطاع المصرفي اللبناني. ومن ضمن الخدمات أيضا السياحة التي ضربت من جراء عدم الاستقرار السياسي، بالاضافة الى موضوع كورونا حيث اصبحت الخدمات السياحية معدومة تقريبا، اما بالنسبة إلى القطاع الزراعي فللاسف ليس لدينا قطاع زراعي ناشط، فالزراعة هي آلية متكاملة من حصر أراض وري كهرباء وتمويل للمزارع و هي ايضا اطلاع على المستوى المطلوب للتصدير”.
أما عن الصناعة، فأشار إلى انه “لا يوجد لدينا الا صناعات محلية بسيطة، لو كان لدينا مصانع كبيرة تقوم بإنتاج صناعات كبيرة، لكنا بدل ان نضطر لشراء الدولار من الخارج نبيعه الى الخارج”. ولفت الى انه “حتى الدول النفطية تعتمد على قطاع الخدمات”.
واعلن انهم “كاتحاد مصارف عربية، في حال تشكيل حكومة، مستعدون لعقد مؤتمر دولي – عربي في لبنان لجلب المعنيين الاقتصادييين والمصرفييين والمستثمرين الى لبنان من خلال اتصالات الاتحاد العربية الاوروبية الدولية و من خلال علاقتنا المباشرة مع المؤسسات الدولية”.
وقال: “وصلنا الى ما وصلنا اليه بسبب الفساد وعدم الاستقرار السياسي بمفهومه الشامل فعلى الحكومة ان تقول بلدي اولا وتعمل لمصلحة البلد. أما إعادة الثقة فمرهونة بالحكومة والاصلاحات الاقتصادية التي تعطي انطباعا جيدا لصندوق النقد الدولي”.
وتحدث عن “صعوبة عودة سعر الدولار الى 1500 ليرة لبنانية لكن من الممكن ان يستقر على 5000 ليرة”، مشيرا إلى ان “المعضلة تكمن في القدرة الشرائية لليرة اللبنانية”.
بدوره، رأى الخبير غبريل أن “هناك تضليلا وتشويها للوضع المالي الحقيقي”، موضحا انه “لم يتخذ منذ بدء الازمة من سنة اي قرار لتعزيز الثقة بالاقتصاد او بالوضع ككل”، لافتا إلى أن “القرار الوحيد الذي اتخذ وأعلن عنه في 7 آذار الماضي هو قرار الحكومة بالتمنع عن تسديد سندات اليورو بوند اي تعثر الدولة اللبنانية عن تسديد مستحقاتها الخارجية لاول مرة بتاريخ لبنان. وهذا ادى الى التضحية بمصداقية الدولة اللبنانية. كما ادى الى تداعيات على الثقة و ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء و على شح تدفق الاموال من الخارج و الى تفاقم الوضع الذي وصلنا اليه اليوم، وخصوصا ان هذا القرار لم يسبقه تواصل مع حاملي سندات اليورو بوند او بدء مفاوضات مع صندوق النقد الدولي”، مشيرا إلى أن 97 في المئة من بلدان العالم التي تقرر حكوماتها عدم دفع مستحقاتها الخارجية، تكون قد سبقت هذا القرار بمفاوضات مع صندوق النقل الدولي لبرنامج إصلاحي لأن هذا دليل على المصداقية. لكن الحكومة اللبنانية بدأت المفاوضات بعد شهرين من القرار و لم يكن هناك تواصل مع حاملي السندات و هذا ادى الى تبخر ما تبقى من ثقة”.
وبالنسبة إلى المصارف أوضح أن “هذا القرار هو في صلب معاناة البنوك التي تحمل 11 مليار دولار يورو بوند ولم يتم التواصل معها ومصادر المصارف بالعملات الاجنبية التي كانت باليوربوند توقفت بعد تعثر الدولة، لذلك توقفت المصارف عن اعطاء المودعين حتى 200 دولار في الشهر”.
وانتقد غبريل “البرنامج المالي الانقاذي للحكومة الذي حمل مسؤولية الازمة بالكامل على القطاع المصرفي وعلى المودع الذي ادى الى ما يعرف بالهيركات على ودائعه”، مشيرا الى ان “التعاميم التي اصدرها مصرف لبنان اتت لملء الفراغ الذي تركته السلطة التنفيذية”.
وقال: “لسنا اول بلد يمر بمثل هذه الازمة المالية من فقدان للثقة وهلع المودعين وإقبال على التحويل الى الخارج وسحب العملة في الداخل، ففي إيسلندا، بعد ثلاثة ايام على بدء الازمة فيها، تم إقرار قانون الكابيتول كونترول ونظموا التحاويل والسحوبات اما نحن عندما اخذت المصارف اجراءات في اواخر تشرين الأول، من السنة الماضية بوضع بعض القيود على السحوبات و التحويلات على اساس ان هذه التدابير موقتة لفترة شهر حتى تأخذ السلطة التنفيذية المبادرة و تعتمد الكابيتول الكونترول، لكن الحكومة لم تقم بأي إجراء، ثم استقالت. وأتت حكومة جديدة وبدأت بمناقشة قانون الكابيتول كونترول في منتصف شباط، وبعد شهر سحب من التداول وحول الى مجلس النواب الذي بدوره رفعه الى لجنة المال والموازنة بدل ان يقره في الجلسات العمومية. واعتبر غبريل ان “هذا القانون هو اول خطوة في توحيد المعايير للتحاويل والسحوبات وهو أحد الشروط المسبقة لصندوق النقد الدولي لتوقيع اتفاق تمويلي اصلاحي مع السلطات اللبنانية. ورأى أن كل القطاعات ومن ضمنها القطاع المصرفي تعمل من دون رؤية أو خطط واضحة”.
وأكد أن “عدم تشكيل الحكومة هو أهم العوامل التي تؤثر على الثقة”، وقال: “نحن في ازمة ثقة حادة بدأت بين القطاع الخاص والحكومة عام 2017 وتحولت الى أزمة ثقة بين القطاع الخاص والمغترب والحكومة والسلطة، ووصلت منذ سنة الى ازمة ثقة بين المواطن والمغترب والقطاع الخاص من جهة والسلطة التنفيذية وأحزاب السلطة من جهة أخرى، وهذا الموضوع انسحب على القطاع المصرفي أيضا الذي يعاني أزمة ثقة كبيرة”. ورأى أنه “يمكن استعادة الثقة باتخاذ اجراءات عملية تبدأ بقانون كابيتول كونترول و ببعض الاجراءات التي ينتظرها صندوق النقد الدولي، الذي من خلال الاتفاق معه، يتم ضخ السيولة”.
وقال: “بالاضافة الى قانون الكابيتل كونترول علينا اعتماد الاجراءات التالية:
تعديل موازنة 2020 كي تضمن برنامج تصحيح مالي متوسط الاجل وضع تصور لتوحيد سعر صرف الدولار في السوق اللبناني تحديد المتأخرات المتوجبة على الدولة للقطاعات ومنهم لصندوق الضمان بدء التدقيق الجنائي في مؤسسات القطاع العام لا سيما في مؤسسة كهرباء لبنان وقف التهريب عبر الحدود ومكافحة التهرب الضريبي استعادة المحادثات مع صندوق النقد الدولي توزيع كلفة الخسائر بشكل عادل وعدم تحميله لجهة واحدة، وهو المودع المواطن الذي يعتبر ضحية بل يجب ان يتحمل المصدر الرئيسي للازمة الجزء الاساسي من المسؤولية بسوء ادارة القطاع العام وعدم الشفافية وعدم وجود حوكمة وادارة رشيدة وارتفاع النفقات العامة بنسبة 150 بالمئة بين 2005-2019 والتوظيف العشوائي ودمج 90 مؤسسة عامة وهيئة مستقلة باعتراف لجنة الاقتصاد في مجلس النواب ووزارة المال”.
وشدد على “ضرورة تنفيذ هذه الاجراءات التي تدل على ان هناك جدية بالتعاطي لبدء استعادة الثقة للوصول تدريجيا بعد الوصول الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، ثم بدء تنظيم اصلاحات اخرى لها علاقة بالمالية العامة والقطاعات الاقتصادية كالكهرباء”. وذكر أنه “كان يمكننا تجنب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لكن لم يكن لدينا خيار آخر فالمجتمع الدولي يقول لنا لا اموال من الخارج ولا سيولة ولا تدفق لرؤوس الاموال الى لبنان من دون المرور بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي. وهذا ما كان من الممكن تجنبه لو نفذنا اصلاحات مؤتمر “سيدر”، لكن الحكومات المتعاقبة منذ 2001 وعدت اللبنانيين والمجتمع الدولي بالاصلاحات، و لم تنفذ وعودها الا بزيادة الضرائب على المواطنين والقطاع الخاص.
وكما ختم غبريل، تبقى الخطوة الاولى لتحقيق كل ذلك تشكيل حكومة جديدة بأسرع وقت ممكن تقوم بكل المطلوب كي نتخطى هذه الازمة العميقة المالية الاقتصادية الصحية الاجتماعية.