عون يفاجىء الجميع: فليكن سعد الحريري أكتوبر 7, 2020 253 زيارة كتب حسين أيوب في 180post: لم تأت دعوة الرئيس اللبناني ميشال عون إلى الإستشارات النيابية الملزمة يوم الخميس في 15 تشرين الأول، لتكليف رئيس جديد للحكومة اللبنانية، في سياق تفاهم سياسي مع أي طرف سياسي داخلي أو خارجي. أن يدعو الرئيس اللبناني إلى إستشارات نيابية مُلزمة لتكليف رئيس حكومة جديد، بعد حوالي الأسبوع، فهذا يعني في علم السياسة، أن الرجل حَسَبَ خطوته جيداً قبل أن يقدم عليها. الأكيد أنه لم يتشاور مسبقاً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال رحلتهما الكويتية. صار “الجنرال” مهجوساً بالثلث الأخير من عهده. إذا كان متعذراً تحقيق إنجازات، فلا بأس من الحد من الخسائر. لقد أبلغه حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة صراحة أنه قبل آخر السنة الحالية سيتم رفع الدعم عن كل شيء، فهل هناك من يريد إحراق رئاسة الجمهورية بفتيل الشارع الذي سيشتعل في حال رفع الدعم الكامل؟ حتماً لن يكون بمقدور ميشال عون أن “يمون” حتى على أفراد أسرته في هكذا حالة، لذلك، لا بد من المبادرة وبأسرع وقت ممكن. زدْ على ذلك أن البعض بدأ يتهمه بتجاوز الدستور، حتى أن الفرنسيين “الحردانين” يحمّلونه علناً مع غيره من أركان الطبقة السياسية مسؤولية فشل مبادرة رئيسهم إيمانويل ماكرون. “سأحدد موعد الإستشارات النيابية الملزمة يوم الخميس المقبل وليتحمل الجميع مسؤولياتهم”، قالها عون لكبار مستشاريه، قبل أن يتواصل هاتفياً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ويؤكد له إنه لا يريد أن يتحمل وحده وزر فشل التوافق، غير أن بري شدد على وجوب التفاهم قبل تحديد موعد الإستشارات، لكن رئيس الجمهورية، حسب أوساطه، قرر المضي في خيار الإستشارات، “حتى النهاية”.. وهذا ما كان. بطبيعة الحال، يريد عون أن يلقي كرة التكليف في ملعب الآخرين، بدل أن تظل في ملعبه، برغم تكون قناعة راسخة لدى المحيطين به أن أي خرق سياسي جدي، لن يكون متاحاً بشكل فعلي قبل موعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية في 3 تشرين الثاني المقبل. بهذا المعنى، يصبح تحديد موعد الإستشارات بمثابة مهلة حث حتى لا تستمر حالة المراوحة القائمة منذ إعتذار مصطفى أديب قبل حوالي العشرة أيام. الخطوة الثانية هي تواصل عون مع ماكرون في الساعات القليلة المقبلة، من أجل التمني عليه أن يمضي بمبادرته السياسية، وفي الوقت نفسه، يفترض أن تكون مهلة الأسبوع كافية حتى تحدد جميع القوى خياراتها بما فيها رؤساء الحكومات السابقين. لكن بلا مكابرة، الكل يعلم أن لا خارطة طريق للتكليف والتأليف. صحيح أن الفرنسيين لم ينسحبوا سياسياً، لكنهم لم يغادروا مربع اللوم والعتب. هم يضعون ثقلهم حالياً على الشق الإقتصادي، وهو أمر إن دلّ على شيء إنما على إبقاء مبادرتهم على طاولة الجميع في الداخل والخارج. مجيء المصرف المركزي الفرنسي إلى مصرف لبنان وطلب إجراء جردة بإحتياطي الذهب يصب في هذه الخانة. أيضاً، هم طلبوا رسمياً من الحكومة اللبنانية نسخة عن الأسئلة الـ 151 التي وجهتها شركة “الفاريز” للتدقيق الجنائي إلى حاكمية مصرف لبنان المركزي. هذا الدخول الفرنسي كان لافتاً للإنتباه، أي “التدقيق” في حقيقة رفض حاكم المصرف المركزي رياض سلامة تقديم أية أجوبة ومعطيات لشركة التدقيق. يسري ذلك أيضاً على مشروع قانون “الكابيتال كونترول” الذي يجمع كثيرون على أن وظيفته ستقتصر على حماية لبنان من أية دعاوى قضائية في الخارج لا أكثر ولا أقل. الدعوة الفرنسية للمؤتمر الإقتصادي الداعم للبنان مستمرة، لكن الموعد سيكون في تشرين الثاني المقبل بدلا من الشهر الحالي. يشمل الإهتمام الفرنسي أيضاً ملف رفع الدعم وهم أعطوا وجهة نظرهم بوجوب التحرر من الدعم تدريجياً، بحجة كسب الوقت لفترة أطول، ربطاً بالإحتياطي الإلزامي من العملات الصعبة، وعبر إعتماد روزنامة تشمل توفير الدعم لأدوية محددة (أمراض مزمنة وغيرها) ولمواد غذائية محددة (سكر وحليب وزيت مثلا) ولمادة الطحين، على أن يُرفع الدعم عن المحروقات “في أقرب فرصة ممكنة”، على حد تعبير متابعين للمبادرة الفرنسية. إذاً المبادرة الفرنسية لم تنته، وفي الوقت نفسه، كان لافتاً للإنتباه أن موعد الإستشارات الملزمة، سيسبقه قبل يوم واحد تدشين مسار مفاوضات الترسيم البحري في الناقورة، أما زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى بيروت يوم الأربعاء في 28 الحالي، فلن تتعدى وظيفتها حدود الإستكشاف والدعوة إلى عدم تضييع المبادرة الفرنسية. هذا على صعيد المواقف الدولية. أما على الصعيد العربي، وبإستثناء الإهتمام المصري بالملف السياسي والإقتصادي والإنساني في لبنان، فإن السعودية تواصل سياسة الحياد السلبي. حتى الإبتسامة الصغيرة لأي لبناني، مهما علا كعبه، ليس مسموحاً بها. وفي هذا السياق، نُقِلَ عن وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير قوله أمام مسؤول سياسي لبناني أنه طالما أن حزب الله يحكم لبنان بسلاحه “فكل شيء مضيعة للوقت”! ما هي الإحتمالات من الآن وحتى يوم الخميس في 15 ت1؟ حتماً، ستعطي الدعوة دفعاً سياسياً عبرت عنه بعض المواقف اليوم، ولا سيما منها مقابلة رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي مع “إل بي سي” والتي جدد فيها ترشيحه للرئيس سعد الحريري على رأس حكومة تكنوسياسية (6 وزراء سياسيين و14 من التكنوقراط)، وهذا الإحتمال مرهون بقبول الحريري أو رفضه (طبعاً هو يرهن الأمر بموافقة أميركية على الأرجح). في هذا السياق، كان لافتاً للإنتباه ما قاله عون للمرة الأولى أمام معاونيه اليوم (الأربعاء) بأنه “لا إشكال عندي على أي إسم تختاره الأكثرية النيابية حتى لو سمّت سعد الحريري رئيسا مكلفاً”، وقال إنه سيلتزم بقرار الأكثرية وسيتعاون مع الرئيس المكلف وفق ما ينص عليه الدستور. يصبح السؤال: هل فرصة سعد الحريري متوفرة هذه المرة أكثر من سابقتها أم أنها تحتاج إلى ضوء أخضر خارجي وتحديداً سعودي، علما أن الفرنسيين أعربوا صراحة عن إستعدادهم لمفاتحة الرياض بأمر تكليف الحريري أولاً وميقاتي ثانياً، لكن الموقف السعودي لم ولن يتغير: لا مقاربة للملف اللبناني خارج المطلب السعودي الأول ألا وهو نزع سلاح حزب الله. في الوقت نفسه، لا يوجد على جدول أعمال “الثنائي الشيعي” اي توجه لحكومة اللون الواحد أو إعادة تعويم حكومة حسان دياب. بالنسبة إليهما ما زال سعد الحريري هو الأوفر حظاً، لكن للرجل أن يحدد خياراته وأن يقرر ما سيكون عليه موقفه في الإستشارات المقبلة، فإذا قرر تسمية أية شخصية لرئاسة الحكومة، نحن مستعدون للسير بها، لكن ليس وفق القواعد التي وضعها رؤساء الحكومات لمصطفى أديب. هل ما تزال حظوظ مصطفى أديب قائمة؟ عندما يُطرح هذا السؤال على معظم القوى المقررة سياسياً، يأتي الجواب “ولمَ لا”؟ حقيقة الأمر أن إسم مصطفى أديب لم يُسحب عن الطاولة حتى الآن. تواصل معه الفرنسيون والألمان في الأيام القليلة الماضية، وعبروا له عن تقديرهم الكبير لموقفه، حتى أن “إتصالاً دافئاً” حصل بينه وبين أحد كبار القياديين في حزب الله، وكان مضمونه إيجابياً. حتماً إذا أعيد تكليف أديب لن يكون وفق القواعد السابقة، بل وفق قواعد جديدة، وهذا الأمر بعهدة الفرنسيين أولاً. ما يسري على مصطفى أديب ينطبق على اي مرشح يختاره الحريري بالمواصفات نفسها، إذا كان متمسكا بعدم العودة إلى السراي الكبير حالياً، وهو الأمر الذي ستظهر ملامحه في مقابلته غداً (الخميس) مع الزميل مرسيل غانم عبر شاشة “إم تي في”. وفق بعض المقربين من الحريري، فإن الرجل سيقدم روايته لما حصل منذ لحظة تكليف أديب حتى إعتذاره، وسيعيد ترسيم حدود مسؤوليات جميع القوى من دون إستثناء، لكنه لن يذهب كما يتوقع البعض إلى حد القطيعة السياسية مع أحد، وتحديداً مع بري الذي لم تنقطع خطوط التواصل غير المباشر بينه وبين رئيس تيار المستقبل. هل إحتمال إرجاء الإستشارات النيابية المقبلة وارد بحسابات ميشال عون؟ حتماً، لكنه هذه المرة وفق ضمانات يجب أن تأتيه حصراً من رئيس مجلس النواب وليس من أية كتلة سياسية أخرى. بإختصار، يعيد الجميع النظر بقواعد الإشتباك. حتماً لن يغامر أحد بالتكليف قبل أن يضمن التأليف، برغم أنه يشكل مخالفة واضحة للدستور، أما ميشال عون، فقد قرر الإنتقال من مرحلة الإنتظار الثقيل المربك والهادىء إلى حد السكون وإنقطاع التواصل بين جميع الفرقاء إلى مرحلة “الهجوم السياسي المركز” الذي يخلط الأوراق ويجعل اللاعبين يعيدون تموضعهم، فكيف إذا قرر الفرنسي أو الأميركي أن يكون شريكاً كاملاً في التكليف والتأليف.. للبحث صلة.