من بيروت إلى الحدود تحت وصاية “اليونيفيل”

كتب منير الربيع في “المدن”:
تنتهي في التاسع والعشرين من شهر تشرين الأول الجاري، مهلة الستين يوم التي أعطتها الولايات المتحدة الأميركية للأمين العام للأمم المتحدة، ليضع خطة تعزيز قدرات قوات اليونيفيل في جنوب لبنان.
أجهزة اليونيفيل الحساسة
بدأت المهلة لحظة إقرار تجديد عمل اليونيفيل في الجنوب لسنة جديدة. ومررت واشنطن القرار، شرط وضع تلك الخطة التي تمكِّن القوات الدولية من القيام بمهامها، بعد مواقف أميركية كثيرة أعلنت أن اليونيفيل لم تتمكن من إيقاف حزب الله عن نشاطه العسكري، ولم تنجح مرّة واحدة في التحقيق بأية حادثة عسكرية حصلت في نطاق عملها، ولا في منع حزب الله من مراكمة ترسانته العسكرية وتعزيزها.
وقبل انتهاء مهلة الشهرين، بدأت قوات اليونيفيل تعزز معداتها في الجنوب. ففي الأيام القليلة الماضية وصل إليها المزيد من العتاد المتطورة، بينها أجهزة عالية الحساسية في الكشف عن حركة الأسلحة.
وتشير مصادر متابعة إلى أن الأيام المقبلة، ستشهد وصول المزيد من الأعتدة العسكرية، وصولاً إلى إدخال طائرات مسيرة قادرة على تصوير أي حركة في الجنوب بدقة عالية. وفي حال استمر منع عناصر اليونيفيل من الدخول إلى مواقع معينة، ستمكنها هذه المعدات من مراقبة ما يحصل، إضافة إلى تصوير كل موقع عسكري يشتبه به، أو تنطلق منه أية عملية أو حركة عسكرية يقوم بها حزب الله.
لبنان بُلّغ مسبقاً بالترسيم
في موازاة ذلك، جاء خبر انتشار قوات اليونيفيل في بيروت، وتحديداً في محيط المرفأ بيروت، وسط معلومات عن استحداث قاعدة عسكرية في وسط المدينة. وهذا كله للسير بالخطة الأميركية: وضع لبنان في كنف وصاية أممية، لا يبدو أنها ستتوقف عند حدود الجنوب ووسط بيروت. بل ستزداد الضغوط لتوسيع مهام اليونيفيل لتشمل المطار، ولاحقاً حدود لبنان الشرقية مع سوريا.
وسيتزامن ذلك مع مفاوضات ترسيم حدود لبنان البحرية الجنوبية مع إسرائيل. وتفيد المعلومات أن الموافقة الأميركية على التجديد لليونيفيل، جاءت بناءً على تبليغ لبنان، عبر جهات متعددة لبنانية وغير لبنانية، بأنه سيسير في عملية ترسيم الحدود.
مصير مزارع شبعا
وبفعل عملية ترسيم الحدود تظل مزارع شبعا ورقة مخفية أو غامضة، حيال المصير الذي ينتظرها. فالإسرائيليون والاميركيون يعتبرون المزارع غير لبنانية، وخاضعة لعملية ضم إسرائيل الجولان، وللقوى الدولية العاملة فيها، وهي قوة الإندوف، وليس اليونيفيل.
وبما أن سوريا لم تعترف بعد بلبنانية المزارع، فهي لا تزال غير خاضعة للبنان. قد يكون الترسيم الذي يطال المزارع مؤجلاً. وهنا سيكون الوضع أمام احتمالين: بقاء المزارع على حالها، ليستمر حزب الله بعمله في تحريرها متمسكاً بسلاحه، أو الضغوط الدولية قد تدفع بشار الأسد إلى إثبات لبنانية المزارع، لتعمل إسرائيل على الإنسحاب منها، وإنهاء المشكلة الحدودية مع لبنان بشكل كامل.
وقد سبق أن لمّح الإسرائيليون إلى مثل هذا الإجراء في مرحلة فائتة.
إضعاف الممانعة
وهذا يعني أن الإسرائيليين الذين خرجوا من غزة لأسباب ديمغرافية، يمكن أن يخرجوا من مناطق أخرى لأسباب سياسية. فيأتي انسحابهم من المزارع، ليضع المشكلة في ملعب حزب الله المتمسك بسلاحه في ظل حدود دولية مضمونة، موثقة ومدعومة من الأمم المتحدة.
هذا ما يحسب له حزب الله الكثير من الحسابات. وهو أحد عوامل تأخير دخوله في محادثات ترسيم الحدود. ولكن الضغوط أرغمته على الموافقة عليها أخيراً. احتمالات حصول هذا السيناريو قائمة وواردة. وهذا يؤدي إلى إضعاف موقف حزب الله، ووجهة نظر محور الممانعة كله، غير المرتبط بالحزب وحده، بل يمتد من لبنان إلى سوريا فإلى إيران.
ممانعة إيران الكارثية
وإنجاز هذه المهمة كاملة، ينعكس على وضع إيران في المنطقة كلها. ففي حال تعرضها إلى أية ضربة أو تصعيد عسكري، لن تكون قادرة على تفعيل مبدأ إشعالها الجبهات المفتوحة والمترابطة.
طبعاً لن توافق طهران على هذا السيناريو. وقد تكون محاولات خروجها منه قائمة ومتوفرة، بتفجيره في أي لحظة. لكن ذلك سيؤدي إلى مزيد من الضغوط والعقوبات على إيران. وقد يؤدي إلى إشتعال الجبهات مجدداً، والدخول في دوامة كارثية النتائج.
الأكيد أن أموراً كثيرة تغيّرت. ولم يعد في الإمكان العودة إلى قواعد اللعبة السابقة.