عون أمام زوّاره: “أنا متعَب نفسياً”.. والحزب “فجّر” مبادرة فرنسا

كتبت ملاك عقيل في “أساس ميديا”:
يقرّ رئيس الجمهورية ميشال عون في مجالسه الخاصة بالصعوبات التي يواجهها. فيطلق العنان لردّات فعل يصعب أن تجد طريقها إلى الإعلام والكاميرات: “أنا متعب نفسياً. كنت أعلم أن مهمّتي محفوفة بالمخاطر، وسأواجه ديناصورات اختبرت أسلوب مواجهتها 11 عاماً من مقرّي في الرابية. لكن لم يخطر ببالي لحظة أنّ كلّ المصائب ستقع فوق رأسي بما في ذلك انفجار الأزمة المالية بوجهي، ووباء اجتاح البشرية، وانفجار مرفأ بيروت الذي، إن كان مقصوداً أو لا، فإن “مقوّماته” كانت جاهزة بسبب الإهمال الفظيع في سياق متابعة قضية فَشل القيّمون عليها في حسمها قبل ثلاث سنوات من وصولي إلى سدّة الرئاسة”.
في طلّاته الاعلامية أخيراً التي تعرّضت لانتقادات قاسية، كابر عون على “المصيبة” محاولاً القول: “الأمور تحت سيطرتي” إلى اللحظة التي بشّر فيها بـ”جهنم”. لكنّ القريبين منه يجزمون بأن ذلك “من موقع التحذير من الاسترسال في تغليب الحسابات الحزبية على الوطنية، وعرقلة تشكيل الحكومة ما يمكن أن يقود إلى الفوضى الكاملة”.
في جزء من الصورة، كانت الرسالة الأكبر إلى حزب الله، تماماً كما كانت موجّهة إلى الرئيس سعد الحريري ورؤساء الحكومات السابقين. موجهة إلى حليفه الاستراتيجي الذي يطفئ معه بعد شهر تماماً شمعة الأربع سنوات من عهد شكّل أحد أهمّ معارك الحزب الداخلية بهدف إيصال “الجنرال” إلى قصر بعبدا.
في محيط رئيس الجمهورية من يعترف اليوم علناً: “حزب الله (وتحصيل حاصل الرئيس نبيه بري) “فجّرا” المبادرة الفرنسية بتمسّكهما بحقيبة المالية في محاولة تكريس أمر واقع يقود إلى المثالثة المرفوضة من قبلنا”.
سيكتمل المشهد الخلافي بطرفه الآخر مع إقرار مصادر “الخليلين” (معاون الرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل، ومعاون الأمين العام لحزب الله، الحاج حسين الخليل) بأنّه “بعد إعلان المبادرة الفرنسية، حصلت جلسة بين النائب علي حسن خليل ومساعد أمين عام حزب الله حسين خليل والنائب جبران باسيل. فحوى الجلسة ركّز على ضرورة خوض التفاوض في مسألة الحكومة ضمن جبهة واحدة بوجه الحريري الذي كنّا نعلم أنه لزّم نفسه تأليف الحكومة، فيما مصطفى أديب كان مجرّد واجهة. واتفقنا في هذه الجلسة بأن نشكّل حلفاً، لكنّ هذا الحلف لم يترجم أبداً. لقد ذهبوا بعيداً “بالوقوف بوجهنا” حتّى أكثر من وقوفهم بوجه الطرف السنّي”!.
تضيف المصادر: “فهمنا الرسالة جيداً حين صدر بيان تكتل “لبنان القوي” في 22 أيلول ليشير إلى أن تصلُّب المواقف سيُفشّل المبادرة الفرنسية، رابطاً ذلك حصراً بموضوع الحقائب السيادية حيث دعا إلى “تحريرها” من التوزيع الطائفي وسحب فتائل المواجهة بين الأطراف المتصارعة حول وزارة المال، وإن “شَكلها” بضرورة الركون الى رأي الكتل النيابية في عملية التشكيل كون باسيل صاحب مصلحة أصلاً بعدم استبعاده من التفاوض حول الأسماء المسيحية. وكان يمكن للأمر أن “يقطع معنا”، لكن في الأسبوع نفسه أصدرت اللجنة السياسية في “التيار” بياناً كرّر الموقف نفسه وبلهجة أكثر حدّة. لم يكن الأمر بالنسبة لنا مجرّد عتب، بل هناك إصرار بالضغط علينا، ما كرّس واقع أنّ المشكلة شيعية فقط”!.
وبالأمس جاءت تغريدة جبران باسيل فـ”اكتمل النقل بالزعرور”. على الرغم من ردّة فعل حزب الله السلبية من خطاب “الوصيّ” ماكرون، واعتباره “رسالة تهديد ووعيد مستنسخة عن الموقف الأميركي ومتماهية مع الموقف الإسرائيلي والسعودي”، فقد رأى فيه باسيل “خطاب بنّاء وواقعي وموضوعي وفيه حرص على لبنان” على الرغم من رفضه منطق “كلهم قبضوا”، ورفضه تعميم مسؤولية الفشل على الجميع، وهو موقف فرنسي يرفضه أيضاً حزب الله. وعلى “كعبها” أتى بيان حركة أمل “المستغرب لما ورد على لسان ماكرون بحق “الثنائي الوطني” (التسمية المستجدّة في قاموس أمل وحزب الله) بعيداً عن الحقائق”.
أما السيد حسن نصرالله فجرّد مواقف ماكرون من كل “واقعية وموضوعية” متّهماً إياه عبر المبادرة الفرنسية “بتسليم البلد لنادي رؤساء الحكومات السابقين ولجزء من الاقلية النيابية، والمسّ بالكرامة الوطنية والاستعلاء”، معتبراً “أن الفرنسيين كانوا يغطون شطب أهم صلاحية لرئيس الجمهورية بعد الطائف”!
هكذا، فإن لائحة الاتهامات التي ساقها ماكرون بحق حزب الله “الذي يتصرّف كميليشيا ويعتمد أسلوب التهديد” لم تلق ردّاً من الحليف المسيحي، مفضّلاً التركيز على رفع تهمة “القبض” عن تياره.
وتقول المعلومات: “حتى إنّ ما ظهر من تقاطع في المواقف بين التيار والثنائي الشيعي حول رفض استبعاد الكتل النيابية من التسمية، لم يكن دقيقاً. فحزب الله، كما بري، أصرّا على مرور الأسماء الشيعية عبرهما حصراً، في حين أنّ باسيل تنازل كرئيس حزب عن هذا الشرط معتبراً أنّ رئيس الجمهورية ضمانة للأسماء المسيحية، ولكلّ الأحزاب في الحكومة بوصفه المشارك مع الرئيس المكلّف في توقيع مراسيم الحكومة، فيما الثنائي الشيعي فرض نفسه كمشارك أيضاً في التسمية والتوقيع”!!
وقبل أن تسقط حكومة سعد الحريري، ويدخل حسان دياب إلى السراي الحكومي، ثم يخرج منها ليكلّف لاحقاً مصطفى أديب ثم يعتذر، كان يمكن رصد المسار الانحداري في الحفاظ على “مناعة” التحالف بين عون وحزب الله، لكن دائماً مع التمسّك المتين بشعرة تفاهم مار مخايل على الرغم من كلّ المطبّات التي مرّ بها الطرفان.
تبدو اليوم رسائل “الواتساب” المتقطّعة بين باسيل و”الخليلين”، هي الدليل الوحيد على استمرار لغة التواصل مع غياب الاجتماعات الثلاثية.
عملياً، في مقابل تشبّث العونيين على مدى سنوات بمعادلة “التكامل الوجودي مع حزب الله”، بات باسيل اليوم يلوّح بلائحة المآخذ والانتقاد لسلوك الحليف إلى حدّ القول: “بعدني عمّ هدّي شبابنا. همّ يسألونني لماذا يتركوننا لوحدنا في الملفات الأساسية”.
ضمن مسار التفاهم “الصلب” استنفزت أزمة مياومي كهرباء لبنان، والتمديد لمجلس النواب، والسير في خيار التمديد لقائد الجيش، والتعيينات، والنفط، وآلية العمل في مجلس الوزراء… الوقت الأكبر من يوميات قياديين في الحزب والتيار، لكن على السكت.
مع انتخاب عون رئيساً لا يكاد اجتماع للتكتل يخلو من وضع الأصبع على مكمن الخلل في العلاقة مع حزب الله.
تدريجاً بدأ باسيل، بالتنسيق مع عون، يفتح “الملفات” العالقة مع الحزب: عدم الفعالية في ملف مكافحة الفساد، المعابر غير الشرعية، حماية “جماعة بري” من المساءلة، التحالفات الانتخابية… وما لم يقله باسيل مباشرة، كان نواب التيار كزياد أسود يتكفّلون ببقّه: “لا يمكن للحزب أن يجمع بين الفساد والمقاومة، وأن يستمرّ في حمل السلاح والشعب اللبناني يعاني من الجوع”، مع التمنين الدائم من جانب العونيين: “نحن ساهمنا في منع عزل حزب الله وليس العكس”. فيما لم يقصّر باسيل في قول الأمور كما هي أمام برّي والحزب.
مصادر التيار الوطني الحر تؤكد في المقابل: “هناك ثبات في موقفنا. لن نشارك أبداُ في مشروع عزل الحزب، ونحن معه في الموضوع الإسرائيلي ومكافحة الإرهاب. ولكن سنخوض معه أقسى المعارك في الداخل حتّى لو كلّفنا الأمر وقوع الخصومة السياسية”، مشيرة إلى أنّ “حزب الله خذلنا في موضوع المبادرة الفرنسية. هذا الأمر كان متوقعاً من جانب الحريري، لكن ليس من حليفنا الاستراتيجي”.