تحدَّثتُ في الجزءِ الأوّلِ من مقالتي “أمريكا وبدايَةُ الإنهيارِ” عن سياسات أمريكا الخارجيّةِ، وسأتناولُ اليَومَ واقِعَ أمريكا الدّاخلي مِن النّواحي الثلاث: الإقتصاديّة والمعيشيّة والأمنيّة.
مِمّا جاءَ في جريدةِ الإقتصاديَّةِ الدُّوَليَّة:
《خلالَ الحملةِ الرئاسيّةِ عام 2016، وَعدَ المُرَشَّحُ الجمهوري دونالد ترامب بإلغاءِ ديونِ البلادِ في غضونِ ثمانية أعوام……وتُعَدُّ نِسبَةُ الدَّينِ الأمريكي إلى الناتجِ المَحلّي الإجمالي من بَينِ أعلى المُعدّلات في الدُّوَلِ المُتقَدِّمةِ، وقد زادت جائحة فايروس كورونا الأمر سوءاً، إذ أعلنَت إدارةُ الرئيسِ ترامب عزمَها اقتراض ثلاثة تريليونات دولار لمواجهةِ تداعيات تفشّي الفايروس، لتعودَ قضيّةُ الدَّينِ الأمريكي مُجدّداً إلى الساحةِ الداخليَّةِ والدُّوَليّةِ، وتثيرُ جدلاً بَين الخبراءِ حَولَ تنامي الدَّينِ الأمريكي وتأثيرِه في الإقتصاد الوطني والعالمي.》
فقد وصلَ إجمالي الدَّينِ الأمريكي اليَومَ إلى 24.2 تريليون دولار وهذا مؤشِّرٌ على مدى هشاشةِ الإقتصادِ الأمريكي وبُنيَتِه الماليّةِ المُتصدّعةِ.
أمّا بالنسبةِ للوَضعِ المعيشي فقد 《أعلنَ مكتبُ إحصاءاتِ العملِ الأمريكي أنّ مُعدّلَ البطالةِ في الولايات المُتَّحدةِ خلال يوليو (تموز)الماضي قد بلغَ 10.2٪، وأظهرَ أحدثُ تقريرٍ أسبوعيٍّ للوظائفِ، وهيَ بياناتٍ لدَيها القُدرةُ على تَتّبُعِ أنشطةِ السّوقِ غَيرِ العاديَةِ ومدى تكرارها، أنّ حواليَ 31 مليون شَخصٍ يتلقّون إعاناتِ البطالةِ، وهوَ رقمٌ مُذهِلٌ مقارنةً بمستوياتِ ما قبلَ الجائحةِ.》
وبالعَودةِ إلى سياستِها الداخليَّةِ، فهذه الدَّولةُ الّتي تتغنّى بالحُريَّةِ والديمقراطيَّةِ تُمارسُ العنصُريَّةَ العرقيَّةَ والقمعَ للحريّاتِ وما نشهدُه مُؤَخّراً من تصرّفاتٍ إجراميَّةٍ بحقِّ المواطنين مِن أصولٍ إفريقيَّةٍ هوَ وجهُها الحقيقي وعلَينا أن لا ننسى أيضاً ما فعلَته سابقاً بالهنودِ الحُمرِ.
إنّ ازديادَ الجرائمِ حَيثُ سَجّلَت الولايات المتحدّة رقماً قياسيّاً *في حوادثِ القتل الجماعي* خلال عام 2019 ، كانت معظمُها ناتجةً عن عملياتِ إطلاقِ النارِ، جاءَ ذلك حسبما أفادَت وكالةُ أسوشيتد برس الأمريكيّةِ، ناهيكم عن الحوادثِ الفرديَّةِ مِن قتلٍ وسرقاتٍ للمحلّاتِ التجاريّةِ الّتي شاهدناها عبرَ قنواتِ التلفزةِ بسببِ ظاهرةِ كورونا والّذي يكشِفُ هشاشةَ النّظامِ الأمريكي الدّاخلي.وكذلك ما نراه مِن زيادةِ الإتجارِ بالمُخدّراتِ يُسقِطُ ثَوبَ التّمدُّنِ الّذي تدَّعيه.
بيَّنَت الوقائعُ إنّ الرّئيسَ ترامب هوَ بالحقيقةِ تاجرٌ تاجرَ ويتاجرُ بكُلِّ شَيءٍ حتّى بِشعبِه وخصوصاً خلالَ أزمةِ كورونا خدمةً لمصالِحِه الشخصيّةِ حَيثُ لا يُهِمُّه إلّا إبرازَ نفسِه بأنّه المُخلِّصُ بَينما يتصرّفُ عكسَ ذلك، ولعلّ اعتراضَ عددٍ مِن الولاياتِ الأمريكيّةِ على أدائِهِ الفاشلِ في إدارةِ الأزماتِ هوَ دليلٌ على عجزِه وعجزِ إدارتِه في الدّاخلِ.
في المُحَصِّلةِ، إنّ الدَّولةَ الّتي تَعتريها الأزماتُ الإقتصاديَّةُ والماليَّةُ والأمنيَّةُ وتَحكُمُها العُنصريَّةُ والتمييزُ العِرقي لا يُمكِنُ أن تستمرَّ رائدةً في العالمِ، فالوَهنُ الدّاخلي سيَنعَكِسُ حتماً على صورتِها في الخارجِ كالمرضِ الّذي يُنهِكُ الجِسمَ مِن الدّاخلِ فتراه مُتعباً مُنهكَ القِوى.
لقد صدقَ من قالَ *”أنّ أمريكا نمرٌ مِن ورقٍ”*أمريكا هذه، ستنهارُ على المدى القريبِ داخليّاً وستعتريها الفَوضى أكثرَ لأنّها قائمِةٌ على نظامٍ غَيرِ سويٍّ ولَو أظهرَت للعالَمِ أجمع قُوَّتَها وقُدرتَها على فرضِ عقوباتٍ على مَن يناوئُ سياستَها في العالَمِ فالإهتراءُ الّذي بدأَ بالتجذُّرِ ببُنيَتِها الدَّاخليَّةِ سيَكونُ له تداعياتٌ سنلمسُها قريباً وسيُحطِّمُ صورتَها ويَقضي علَيها حتماً بإذنِ الله.
*✍ الأستاذ أحمد حَيدر*
*ميدان برس*