*العقليّةُ الحاكمةُ*

في وَطنٍ يتحكّمُ الفسادُ في مُعظَمِ طبقتِه الحاكمةِ وفي ظلِّ الوَضعِ السّيِّءِ والمُتردّي على كافّةِ الصُعدِ الماليَّةِ والإقتصاديّةِ والمعيشيّةِ والإجتماعيّةِ والصحِيّةِ ما زالَ أطرافُ الحُكمِ مُختلفين على تشكيلِ حكومةٍ تُنقِذُ البلدَ مِمّا هوَ فيه.

إنّ المُشكلةَ في لبنان لَيست في تسمِيَةِ رئيسِ الحكومةِ بل المُشكلةُ تكمُنُ في العقليَّةِ الّتي يتمُّ العَملُ بها لتشكيلِ الحكومةِ.هذه العقليَّةُ الّتي أوصلَت البلدَ إلى ما وصَلنا إلَيه مِن جوعٍ وفقرٍ على مدارِ سنينِ حُكمِها تسعى لتجديدِ دَورِها مُستفيدةً مِمّا جرى أخيراً مِن حادثةِ المرفأِ لتشكيلِ حكومةِ *”لمّ الشمل”* كما يُسَمّونها *وإن كان بعضُ الحريصين على هذا الوَطنِ لا مانعَ لهم في تسميَةِ النائب سعد الدِّين الحريري فهذا نابعٌ مِن حِرصِهم على تجاوزِ الفتنةِ ومعالجةِ الأزماتِ بأقلِّ الأضرارِ المُمكنةِ.*

المُشكلةُ في لبنان يا سادة أنّ مُعظمَ أركانِ السُلطةِ لم يتلمّسوا قرفَ الشعبِ منهم ولم يسمعوا الأصواتَ الصادقةِ المناديَةِ بالتغييرِ وهنا لا أقصُدُ الأبواقَ التابعةِ للسفاراتِ والأدوات الّتي يُحرِّكونها في الشارعِ تنفيذاً لمآرِبِهم الشخصيَّةِ والّتي عاثَت فساداً في الدّاخلِ بل أقصُدُ أصواتَ الفقراءِ والعاطلينَ عن العملِ، وصرخاتَ كُلِّ أبٍ لا يجدُ قوتاً لعيالِه وأنينَ كُلِّ أمٍّ تخشى على مُستَقبلِ أولادِها.

المسألةُ لَيست مَن يكونُ رئيسَ حكومةٍ بل المسألةُ أي عقليَّةٍ ستحكُمُ وستديرُ شؤونَ البلدِ، وهيَ عقليَّةٌ جرّبناها منذُ سنواتٍ وما شهِدنا فيها إلّا المحاصصةَ والمحسوبيَّةَ ونَهبَ الخَيراتِ وإفقارِ البلدِ والرّهانَ على الخارجِ والإستقواءَ بهم لا بل التَّبعيَّة المُطلقة لهم *”ويلّي جرّب المجرّب كان عقلُه مخرّباً”*فهل يَعقُلُ أن نُسمّي رئيساً لحكومةِ لبنان مَن ينتظرُ موافقةَ الخارجِ على ترشيحِه؟فمن لا يملِكُ قرارَه كَيفَ سَيُديرُ حكومةَ بلدِه أم كَيف سيَكونُ قادراً على إتِّخاذِ القراراتِ الجريئةِ الّتي تُنقِذُ الوَطنَ مِن أزماتِه!

قولوا بالفمِ الملآنِ أنّكم تريدون حكومةً على مقاسِكم ولَيس على مقاسِ الوطنِ، لتُمعِنوا فيها فساداً وسرقةً ونهباً للخَيراتِ دون مساءلةٍ أو محاسبةٍ مِن أحدٍ وما جرى مع حكومةِ الرَّئيسِ دياب خَيرُ دليلٍ على ما أقول.يا أركانَ السُلطةِإرحموا عقولَنا ولَو قليلاً، إرحموا هذا الكيانَ الّذي أصبحَ هشّاً بفضلِ سياساتِكم؛ صارِحونا بأنّ لبنان قرارُه لَيسَ عندَكم، وأنّكم عاجزون عن تغييرِ عقليَّتِكم الحاكمةِ.

*حمى الله لبنان*

*✍الأستاذ أحمد حَيدر* ميدان برس