في وَطنٍ تتجاذبُه التناحراتُ الداخليّةُ والخلافاتُ الحادّةُ ويُعشعِشُ الفسادُ بكُلِّ أَوجُهِه في كُلِّ مرافقِه السياسيّةِ والإداريّةِ وحَيثُ أنّ الطبقةَ الحاكمةَ بعقليَّتِها لم تتغيَّر منذُ العام 1982 والّتي ما زالت تحكُمُ بمَنطقِ المحاصصةِ وكُلُّ سياسيٍّ يشُدُّ عصبَ مِلّتِه ويستقوي بها مِن أجلِ مصالِحِه الشخصيَّةِ، الشعبُ يسألُ *”كَيفَ سنبني وطناً قوِيّاً؟”*.
في وَطنٍ يحمي فيه رجالُ الدِّينِ الفاسدَ مِن طائفتِه أو مذهبِه ويعتبرُه خطّاً أحمر ولَو سرقَ وأفقرَ البلدَ وحتّى العمالةُ لدَيهِم فإنّها وِجهةُ نظرٍ، فأيُّ وَطنٍ نَنشدُ بل أيُّ وَطنٍ نريدُ!منذُ تشرين العام الماضي دخلَ البلدُ في مرحلةٍ جديدةٍ لم يلتقِف معظمُ المسؤولين السياسيّين خطورتَها ولم يَعوا ماذا يُدبّرُ لهذا الوَطنِ من مكائِد كانت تُحاكُ وأتى تَوقيتُ تنفيذِها لا بَل ركِبَ البعضُ مِنهم مَوجةَ الحراكِ الشعبي واستغلّوه وحرّفوا وِجهتَه تلبيةً لمآربِهم الشخصيّةِ وتنفيذاً للأجُنداتِ والإملاءاتِ الخارجيّة وما وصَلنا إلَيه الآن مِن خرابٍ ودمارٍ على كافّةِ الصُعدِ هوَ خَيرُ دليلٍ على ما نشهدُ.
لم يستطِع مُعظمُ أركانِ السُلطةِ التّعالي ولَو قليلاً عن خلافاتِهم ومصالحِهم الضيّقةِ والتكاتُفَ لإنقاذِ ما تبقّى مِن كيانِ هذا الوَطنِ بل أمعنوا في غَيِّهم، وما إستقالةُ هذه الحكومة الّتي لم تكُن فاسدةً لا بَل سعَت لإصلاحِ ما أمكنَ إلّا دليلٌ على أنّهم يعتبرون الوَطنَ مزرعةً وكُلٌّ يُغنّي على لَيلاه.
اليَومُ باتَ لبنان مُشرَّعاً وبشكلٍ واضحٍ للخارجِ وما يُحكى في الأروِقَةِ الداخليّةِ غَيرَ ما نسمعُه في الإعلامِ وعلى المنابرِ.في خِضَمِّ كُلِّ هذه الأحداث، يَنظُرُ اللّبنانيّون بقلقٍ أكثرَ مِن أيّ مرحلةٍ سابقةٍ إلى مُستقبلِ بلدِهم وقد يئِسوا مِن الإصلاحِ الّذي يُتَغنّى به وباتوا يعيشون القلقَ الوجوديَّ والخَوفُ كُلُّ الخَوفِ مِن أن نشهدَ صراعاً دُوَلِيّاً على أرضِنا سيَقودُ حتماً إلى نزاعاتٍ دمويّةٍ وحربٍ يَعرفُ الجميعُ إلى ماذا ستُؤدّي.
إنّ الوَطنَ في مخاضٍ عسيرٍ لإنتاجِ سُلطةٍ تنفيذيّةٍ نظيفةٍ في ظِلِّ كُلِّ ما ذكَرنا فهل سنشهدُ حكومةً مُشَوّهةً كسابقاتِها يتمركزُ فيها مبدأُ المُحاصصةِ أم سيَعي أركانُ السُلطةِ أنّ اللُّعبةَ لم تَعُد بأيديهم *وما همُ إلّا كبيادقِ الشطرنجِ يُضحّى بهم مِن أجلِ الملكِ المعروفِ سلفاً* فيَستَيقِظُ ضميرُهم ولَو لِمَرَّةٍ واحدةٍ؟*حمى الله لبنان*
*الأستاذ أحمد حَيدر* ميدان برس