باتريسيا ديب ميدان برس
جالسة مع الكثير من النّاس في باص ، و اذ بامرأة ستّينية العمر توقِف عجلتنا مترجيةً السّائق بأن ينقلها من بيروت لطرابلس بألفيّ ليرة فقط،ليجاوبها : “ما تواخذينا يا حجة ، صارت بخمسة”
لتزيد:”الله يوفقك يا ابني انا امرأة مريضة و امي عم تموت بدي روح شوفها” .
كان هناك الكثير من البشر ، أحدهم لم يتبرّع مساعدًا بثلاثة آلاف ليرة . فباشرت أنا و انتابني غضبٌ كبيرٌ عليهم و على أعمارهم ، عقولهم و ألقابهم ب”الرّجال و النّساء” و هم أقلّ ما يقال عنهم “مساطر متنقلة” .
أذكر أنّ مشوار بيروت_طرابلس طال لساعة تقريبًا ، لم تتوقّف به المرأة عن الدّعاء ( الله يوفقك،يحميكِ و يرزقك) و عادت لتروي لي قصة نهدتها المتواصلة و كلمة (آخ) الّتي رافقت حركاتها طوال الطّريق .
*امرأة تحتاج لعملية <الرّوماتيزم> تشتري ثيابًا من البالة و تبيعها و هي بهذا العمر و ينقصها ٤٠٠ ألف ليرة لتجري عمليّتها .
ليس لديها أحد سوى أخ واحد لم يبالي بخطورة وضع أمّه و على حدّ قولها ” إذا ع امو ما حنّ ع اختو بدو يحنّ ، الله بساعد يا بنتي”
صمتّ قليلاً و سألتها عن حلمها حينما كانت من عمري لتقول (أن أعيش بكرامتي والآن أن أجري عمليّتي).
بشيء من الصدمة حاولت إظهار ضحكتي و تفاؤلي مردّدة الله بيفرجها.
عند محطّطة الافتراق اعطتني كلّ ما كان بيدها . اسوارة ذات خيط رقيق مشكوك بالقلوب الصفراء و عين زرقاء و قالت “ضعيها للحين الذي تصبحين فيه مسؤولة ، انا رأيتك هكذا يا ابنتي و حينها لا تنسي الفقراء،المرضى،و العجزة فدعواتهم جنّة للمحبّ و نار للبغيض” .
ذهب بعدها كلٌّ منّا في طريقه، حتّى اسمها لم أعرفه و الآن أكتب هذا المقال و الإسوارة في يدي بصدق و “مسؤوليّة” تناهز مسؤولية ١٢٨ نائبًا مفترضة و ما يقارب ٣٠ وزيرًا في الضّمير و كلّ الرّؤساء في الحياء .
أكتب إليها و “لله” و أكتب لكلّ المجرمين، النّاهبين العاطلين و المساطر في بلادي بأن كفاكم غضب العاجزين . كفاكم استهتارًا يجعل من حقوقنا أحلامًا .
‘حقّ العيش بكرامة ، ضمان الشيخوخة و حقّ الطبابة المجانيّة واجباتكم في الدّنيا و مصيركم في الآخرة’
باتريسيا ديب ميدان برس