كفى لعباً بالنار… الوطن ليس غنيمة

كفى نفخاً في جمر الفتنة، كفى استعراضاً على أنقاض الوحدة، كفى تلاعباً بمصير وطن كلما خرج من أزمة جرّه بعض الخاسرين إلى هاويةٍ أخرى. الانتخابات انتهت… لكن هل انتهى العقل؟ هل انتهى الضمير؟

منذ متى أصبحت الخسارة السياسية ذريعة للتخوين؟ ومتى صار الشعور بالظلم رخصةً للشتم والاستفزاز؟
من منحكم حق إذلال الناس باسم “نحنا انظلمنا”، أو صبّ الزيت على نار الخلاف بحجّة “نحنا خسرنا”؟

هذه ليست ديمقراطية، بل غوغائية.
هذه ليست حرية رأي، بل دعوة صريحة للاقتتال.
هذه ليست سياسة، بل وقودٌ لفتنة تقسم البيت الواحد نصفين.

نعم، دخلت الفتنة بيت العائلة الواحدة: بين الأخ وأخيه، بين الأب وابنه، بين الجار وجاره.
صار الانتماء السياسي أقوى من صلة الدم، وأخطر من الخطر نفسه.

وما يزيد الطين بلّة، ذاك المسرح الأسود الذي اسمه “وسائل التواصل الاجتماعي”.
منصّات تحوّلت إلى ساحة حرب، يُطلق فيها الفريق الخاسر نيرانه على الجميع، تُرمى فيها الاتهامات كالرصاص، وتُسحق فيها الكرامات بكبسة “نشر” و”تعليق”.

كأننا لا نعرف بعضنا، كأننا لم نكن يوماً رفاق الحيّ، أو شركاء الذلّ في طوابير البنزين والدواء.

أيها المتعصّب، لا وطن لك في حفلة الجنون هذه.
أيها المستفزّ، لا كرامة في شماتتك.
أيها المحرّض، انظر في عيون إخوتك… كم صار فيها من كراهية بسبب كلماتك!

لسنا أعداء في خندقين. نحن أبناء أرض واحدة، نتنفس الهواء ذاته، ونغرق معاً إن غرق هذا المركب.

الوطن ليس غنيمة لفريق، بل أمانة في أعناق الجميع.
الوطن ليس مسابقة رابح وخاسر، بل امتحان وعي وشرف ومسؤولية.

ارفعوا الصوت في وجه الكراهية، لا في وجه بعضكم.
اكسروا ميكروفونات الفتنة، لا وجوه الناس.
فجّروا براكين الوعي، لا أحقاد الجهل.

الزعماء يمرّون، الأحزاب تتغيّر، أما الوطن… فإمّا أن يبقى لنا جميعاً، أو نتحوّل جميعاً إلى لاجئين في أرضٍ كانت يوماً وطننا.

هذه صرخة… لا تُجامل، لا تُساير، ولا تسكت.
كفانا مزايدات، كفانا استفزاز، كفانا حقد…
الوطن يحترق، وأنتم تتباهون برماد الخلاف!

الإعلامي حسين الحاج
رئيس تحرير ميدان برس